الغيث (أرضًا) الجملة من الفعل والفاعل والمفعول في موضع نصب على الحال بتقدير قد (فكان منها) أي من الأرض أرض (نقية) بنون مفتوحة وقاف مكسورة ومثناة تحتية مشددة أي طيبة (قبلت الماء) بفتح القاف وكسر الموحدة من القبول (فانبتت الكلأ) بفتح الكاف واللام آخره مهموز مقصور النبات يابسًا ورطبًا (والعشب) الرطب منه وهو نصب عطفًا على المفعول (الكثير) صفة
للعشب فهو من ذكر الخاص بعد العام. وفي حاشية أصل أبي ذر وهو عند الخطابي والحميدي ثغبة بمثلثة مفتوحة وغين معجمة مكسورة، وقد تسكن بعدها باء موحدة خفيفة مفتوحة. وفي فرع اليونينية ثغبة مضبب عليها وهي بضم المثلثة وتسكين الغين وهو مستنقع الماء في الجبال والصخور كما قاله الخطابي، لكن ردّه القاضي عياض وجزم بأنه تصحيف وقلب للتمثيل قال لأنه إنما جعل هذا المثل فيما ينبت والثغاب لا تنبت، والذي رويناه من طرق البخاري كلها بالنون مثل قوله في مسلم طائفة طيبة قبلت الماء. (وكانت) وفي بعض النسخ وكان (منها أجادب) بالجيم والدال المهملة جمع جدب بفتح الدال المهملة على غير قياس ولغير الأصيلي أجاذب بالمعجمة، قال الأصيلي: وبالمهملة هو الصواب أي لا تشرب ماء ولا تنبت (أمسكت الماء فنفع الله بها) أي بالأجادب، وللأصيلي به (الناس) والضمير المذكر للماء (فشربوا) من الماء (وسقوا) دوابهم وهو بفتح السين (وزرعوا) ما يصلح للزرع، ولمسلم وكذا النسائي ورعوا من الرعي، وضبط المازري أجاذب بالذال المعجمة وهمه فيه القاضي عياض، ولأبي ذر إخاذات بهمزة مكسورة وخاء خفيفة وذال معجمتين آخره مثناة فوقية قبلها ألف جمع إخّاذ وهي الأرض التي تمسك الماء كالغدير. وعند الإسماعيلي أحارب بحاء وراء مهملتين آخره موحدة. (وأصاب منها طائفة أخرى) وللأصيلي وكريمة وأصابت أي أصابت طائفة أخرى ووقع كذلك صريحًا عند النسائي (إنما هي قيعان) بكسر القاف جمع قاع وهو أرض مستوية ملساء (لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ) بضم المثناة الفوقية فيهما (فذلك) أي ما ذكر من الأقسام الثلاثة (مثل) بفتح الميم والمثلثة (من فقه) بضم القاف وقد تكسر أي صار فقيهًا (في دين الله ونفعه ما) وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر بما أي بالذي (بعثني الله) عز وجل (به فعلم) ما جئت به (وعلم) غيره وهذا يكون على قسمين: الأوّل العالم العامل المعلم وهو كالأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها، والثاني الجامع للعلم المستغرق زمانه فيه المعلم غيره لكنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع، فهو كالأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به.
(ومثل) بفتح الميم والمثلثة (من لم يرفع بذلك رأسًا) أي تكبر ولم يلتفت إليه من غاية تكبره وهو من دخل في الدين ولم يسمع العلم أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه، فهو كالأرض السبخة التي لا تقبل الماء وتفسده على غيرها وأشار بقوله:(ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) إلى من لم يدخل في الدين أصلاً بل بلغه فكفر به وهو كالأرض الصماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا تنتفع به.
قال في المصابيح: وتشبيه الهدى والعلم بالغيث المذكور تشبيه مفرد بمركب إذ الهدى مفرد وكذا العلم، والمشبه به وهو غيث كثير أصاب أرضًا منها ما قبلت فأنبتت، ومنها ما أمسكت خاصة، ومنها ما لم تنبت ولم تمسك مركب من عدة أمور كما تراه وشبه من انتفع بالعلم ونفع به بأرض قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب، وهو تمثيل لأن وجه الشبه فيه هو الهيئة الحاصلة من قبول المحل لما يرد عليه من الخير مع ظهور أماراته وانتشارها على وجه عام الثمرة متعدي النفع، ولا يخفى أن هذه الهيئة منتزعة من أمور متعددة، ويجوز أن يشبه انتفاعه بقبول الأرض الماء ونفعه المتعدي
بإنباتها الكلأ والعشب، والأوّل أفحل وأجزل لأن في الهيئات المركبات من الوقع في النفس ما ليس في المفردات في ذواتها من غير نظر إلى تضامها ولا التفات إلى هيئتها الاجتماعية، قال الشيخ عبد القاهر في قول القائل: