أحدًا ينحط عن إدراك هذا إذا عرف به فلا أحسبه أهلاً لأن يتحمل عنه بإجازة ولا سماع، قال وهذا الذي أشبرت إليه من التوسع في الإجازة هو طريق الجمهور، قال شيخنا: وما عداه من التشديد فهو منافٍ لما جوّزت الإجازة له من بقاء السلسلة، نعم لا يشترط التأهل حين التحمل ولم يقل أحد بالأداء بدون شرط الرواية، وعليه يحمل قولهم أجزت له رواية كذا بشرطه، ومنه ثبوت المرويّ من حديث المجيز، وقال أبو مروان الطبنيّ أنها لا تحتاج لغير مقابلة نسخة بأصول الشيخ، وقال عياض: تصح بعد تصحيح روايات الشيخ ومسموعاته وتحقيقها وصحة مطابقة كتب الراوي لها والاعتماد على الأصول المصححة، وكتب بعضهم لمن علم منه التأهيل أجزت له الرواية عني، وهو لما علم من إتقانه وضبطه غنيّ عن تقييدي ذلك بشرطه انتهى. وليصلح النيّة في التحديث بحيث يكون مخلصًا لا يريد بذلك عرضًا دنيويًّا بعيدًا عن حب الرياسة ورعوناتها، وليقرأ الحديث بصوت حسن فصيح مرتل، ولا يسرطه سردًا لئلا يلتبس أو يمنع السامع من إدراك بعضه، وقد تسامح بعض الناس في ذلك وصار يعجل استعجالاً يمنع السامع من إدراك حروف كثيرة بل كلمات، والله تعالى بمنه وكرمه يهدينا سواء السبيل.
(لطيفة): أنبأني الحافظ نجم الدين ابن الحافظ تقيّ الدين وقاضي القضاة أبو المعالي محب الدين المكيان بها، والمحدّث العلامة ناصر الدين أبو الفرج المدني بها، قالوا: أخبرنا الإمام زين الدين بن الحسين وآخرون عن قاضي القضاة أبي عمر عبد العزيز عن قاضي القضاة بدر الدين الكنانيّ، قال: قرأت على الأستاذ أبي حيان محمد بن يوسف بن عليّ، قال حدّثنا الأستاذ أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير، قال أبو عمرو منه إجازة، قال حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الأزدي، قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن حسن بن عطية ح، قال أبو حيان وأنبأنا الأصولي أبو الحسين ابن القاضي أبي عامر بن ربيع عن أبي الحسن أحمد بن عليّ الغافقي، قال أخبرنا عياض ح، قال أبو حيان وكتب لنا الخطيب أبو الحجاج يوسف بن أبي ركانة عن القاضي أبي القاسم
أحمد بن عبد الودود بن سمجون، قال وعياض أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري، قال أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني، قال حدّثنا الحافظ عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكناني الدمشقي، حدّثنا أبو عصمة نوح بن الفرغاني، قال: سمعت أبا المظفر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن قتّ الخزرجي وأبا بكر محمد بن عيسى البخاري، قال سمعنا أبا ذر عمار بن محمد بن مخلد التميمي يقول: سمعت أبا المظفر محمد بن أحمد بن حامد بن الفضل البخاري يقول: "لما عزل أبو العباس الوليد بن إبراهيم بن زيد الهمداني عن قضاء الريّ ورد بخارى سنة ثمان عشرة وثلاثمائة لتجديد مودة كانت بينه وبين أبي الفضل البلعمي فنزل في جوارنا، فحملني معلمي أبر إبراهيم إسحق بن إبراهيم الختلي إليه فقال له أسالك أن تحدث هذا الصبي عن مشايخك، فقال ما لي سماع، قال فكيف وأنت فقيه فما هذا، قال لأني لما بلغت مبلغ الرجال تاقت نفسي إلى معرفة الحديث ورواية الأخبار وسماعها، فقصدت محمد بن إسماعيل البخاري ببخارى صاحب التاريخ والمنظور إليه في علم الحديث، وأعلمته مرادي وسألته الإقبال على ذلك، فقال لي يا بني لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده والوقوف على مقاديره، فقلت عرّفني رحمك الله حدود ما قصدتك له ومقادير ما سألتك عنه، فقال لي: اعلم أن الرجل لا يصير محدّثًا كاملاً في حديثه إلاّ بعد أن يكتب أربعًا مع أربع، كأربع مثل أربع، في أربع عند أربع، بأربع على أربع، عن أربع لأربع، وكل هذه الرباعيات لا تتم إلا بأربع مع أربع، فإذا تمت له كلها كان عليه أربع، وابتلي بأربع، فإذا صبر على ذلك أكرمه الله تعالى في الدنيا بأربع، وأثابه في الآخرة بأربع. قلت له فسّر لي رحمك الله ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات من قلب صافٍ بشرح كافٍ وبيان شافٍ طلبًا للأجر الوافي، فقال: نعم، الأربعة التي يحتاج إلى كتبها هي أخبار الرسول ﷺ وشرائعه والصحابة ﵃ ومقاديرهم