يكفلها أي يضمها إلى نفسه ويربيها رغبة في الأجر وذلك لما وضعتها أمها حنّة وأخرجتها في خرقتها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى بن عمران وهم يومئذٍ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة فإني حرّرتها وهي ابنتي وأنا لا أردّها إلى بيتي فقالوا: هذه ابنة إمامنا، وكان عمران يؤمهم في الصلاة فقال زكريا: ادفعوها إليّ فإن خالتها تحتي فقالوا: لا تطيب نفوسنا هي ابنة إمامنا فعند ذلك اقترعوا عليها.
(وقال ابن عباس: اقترعوا فجرت الأقلام) التي ألقوها في نهر الأردن (مع الجرية) بكسر الجيم أي جرية الماء إلى الجهة السفلى (وعال) بعين مهملة وبعد الألف لام أي ارتفع (قلم زكريا الجرية) فأخذها وضمها إلى نفسه وللأصيلي: وعالا بألف بعد اللام، ولأبي ذر عن الكشميهني: وعدا بالدال بدل اللام كذا في الفرع وأصله. وقال في فتح الباري وفي رواية الكشميهني: وعلا أي بعين فلام فألف من العلوّ قال وفي نسخة وعدا بالدال وهذا وصله ابن جرير بمعناه (فكفلها زكريا وقوله) تعالى بالجر عطفًا على قوله الأول في قضية يونس (فساهم) قال ابن عباس فيما أخرجه ابن جرير أي (أقرع) ﴿فكان من المدحضين﴾ [الصافات: ١٤١] قال ابن عباس أيضًا فيما أخرجه ابن جرير أي (من المسهومين) وأشار المؤلّف بما ذكره من قصة مريم ويونس عليهما الصلاة والسلام إلى الاحتجاج بصحة الحكم بالقرعة وهو مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد ما يخالفه.
(وقال أبو هريرة)﵁ مما وصله قريبًا في باب: إذا تسارع قوم في اليمين (عرض النبي ﷺ على قوم اليمين فأسرعوا) إلى اليمين (فأمر)ﷺ(أن يسهم بينهم) بكسر هاء يسهم أي يقرع (في اليمين أيّهم يحلف) قبل الآخر وفيه دلالة لمشروعية القرعة على ما لا يخفى.
وبه قال:(حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر الغين المعجمة آخره مثلثة ابن طلق بفتح الطاء وسكون اللام الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (الشعبي) عامر بن شراحيل (أنه سمع النعمان بن بشير ﵄ يقول: قال النبي ﷺ):
(مثل المدهن) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الهاء آخره نون أي الذي يرائي (في حدود الله) المضيع لها (والواقع فيها) المرتكبها (مثل قوم استهموا) اقترعوا (سفينة) مشتركة بينهم تنازعوا في المقام بها علوًّا أو سفلاً فأخذ كل واحد منهم نصيبًا من السفينة بالقرعة (فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذين في أسفلها يمرّون بالماء على الذين) وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي على الذي (في أعلاها فتأذّوا) أي الذين أعلاها (به) بالماء عليهم بالماء حالة السقي أو بالماء الذي مع المار (فأخذ) الذي مرّ بالماء (فأسًا) بهمزة ساكنة وقد تبدل ألفًا (فجعل ينقر) بضم القاف أي يحفر (أسفل السفينة) ليخرقها (فأتوه) الذين أعلاها (فقالوا: ما لك) تحفر السفينة (قال: تأذيتم بي ولا بدّ لي من الماء فإن أخذوا على يديه) بالتثنية أي منعوه من الحفر ولأبي ذر على يده بالإفراد (أنجوه) أي الحافر (ونجوا أنفسهم) بتشديد الجيم من الغرق (وإن تركوه) يحفر (أهلكوه وأهلكوا أنفسهم).
ومن فوائد هذا الحديث: تبيين الحكم بضرب المثل ووقع في الشركة من وجه آخر عن عامر وهو الشعبي: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها. قال في فتح الباري: وهو أصوب لأن المدهن والواقع في الحكم واحد والقائم مقابله، وعند الإسماعيلي في الشركة: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها والمرائي في ذلك، ووقع عنده هنا أيضًا مثل الواقع في حدود الله والناهي عنها وهو المطابق للمثل المضروب فإنه لم يقع فيه إلا ذكر فرقتين فقط، لكن إذا كان المدهن مشتركًا في الذم مع الواقع فيها صار بمنزلة فرقة واحدة وبيان وجود الفرق الثلاث في المثل المضروب أن الذين أرادوا خرق السفينة بمنزلة الواقع في حدود الله ثم من عداهم إما منكر وهو