مكة وعبّر بالمضارع بعد لو التي للماضي لتدل على الاستمرار أي استمر عدم علمنا برسالتك في سائر الأزمنة من الماضي والمضارع وهذا كقوله تعالى:{لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم}[الحجرات: ٧] قاله في شرح المشكاة (لكن أنت محمد بن عبد الله قال):
(أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعليّ امح رسول الله) بالرفع على الحكاية ولأبي الوقت امح رسول الله بالنصب على المفعولية (قال) أي علي (لا والله لا أمحوك أبدًا) لعلمه بالقرائن أن الأمر ليس للإيجاب (فأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكتاب فكتب) إسناد الكتابة إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سبيل المجاز لأنه الآمر بها، وقيل كتب وهو لا يحسن بل أطلقت يده بالكتابة ولا ينافي هذا كونه أميًّا لا يحسن الكتابة لأنه ما حرك يده تحريك من يحسن الكتابة إنما حركها فجاء المكتوب صوابًا من غير قصد فهو معجزة ودفع بأن ذلك مناقض لمعجزة أخرى وهو كونه أميًّا لا يكتب وفي ذلك إفحام الجاحد وقيام الحجة والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضًا وقيل لما أخذ القلم أوحى الله إليه فكتب، وقيل ما مات حتى كتب (هذا) إشارة إلى ما في الذهن مبتدأ خبره قوله (ما قاضى) ومفسر له زاد أبو ذر عن الكشميهني عليه (محمد بن عبد الله لا يدخل) بفتح أوّله وضم ثالثه (مكة سلاح) بالرفع وللأصيلي إلا وله ولأبي الوقت بسلاح بزيادة حرف الجر ولأبوي الوقت وذر لا يدخل بضم أوله وكسر ثالثه مكة سلاحًا بالنصب على المفعولية (إلا في القراب) وقوله لا يدخل مفسر لقوله قاضى وكذا قوله (وأن لا يخرج) بفتح أوّله وضم الراء (من أهلها بأحد) أي من الرجال (إن أراد أن يتبعه) بتشديد المثناة الفوقية ولأبي ذر والأصيلي يتبعه بسكونها (وأن لا يمنع أحدًا من أصحابه أراد أن يقيم بها) أي بمكة.
(فلما دخلها) أي مكة في العام القابل (ومضى الأجل) وهو الأيام الثلاثة أي قرب انقضاؤها كقوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن}[البقرة: ٢٣٤] قال الكرماني ولا بدّ من هذا التأويل لئلا يلزم عدم الوفاء بالشرط (أتوا عليًّا) -رضي الله عنه- (فقالوا: قل لصاحبك) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لأصحابك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه (أخرج عنا فقد مضى الأجل) زاد البيهقي فحدّثه عليّ بذلك فقال نعم (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتبعتهم ابنة) وللأصيلي بنت (حمزة) اسمها عمارة أو أمامة (يا عم يا عم) مرتين أي تقول له عليه الصلاة والسلام يا عم لأنه عمها من الرضاعة (فتناولها علي) وللأصيلي علي بن أبي طالب (فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها السلام: دونك) بكسر الكاف أي خذي (ابنة عمك حملتها) بلفظ الماضي ولعل الفاء سقطت، وقد ثبتت في رواية النسائي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري، ولأبي ذر عن الكشميهني: احمليها. وعند الحاكم من مرسل الحسن فقال علي لفاطمة وهي في هودجها: أمسكيها عندك (فاختصم فيها) أي بعد أن قدموا المدينة كما في حديث علي عند أحمد والحاكم (علي وزيد) هو ابن حارثة (وجعفر) أخو علي في أيّهم تكون عنده (فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي) زاد في حديث علي عند أبي داود: وعندي ابنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي أحق بها. (وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها) أي أسماء بنت عميس (تحتي) زوجتي، (وقال زيد: ابنة أخي) لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بين زيد وأبيها حمزة (ققضى بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لخالتها) زوجة جعفر. وفي حديث ابن عباس عند ابن سعد في شرف المصطفى بسند ضعيف فقال جعفر أولى بها فرجح جانب جعفر باجتماع قرابة الرجل والمرأة (وقال) عليه الصلاة والسلام: (الخالة بمنزلة الأم) في الحضانة لأنها تقرب منها في الحنوّ والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد ولم يقدح في حضانتها كونها متزوّجة بمن له مدخل في الحضانة بالعصوبة وهو ابن العم.
واستنبط منه أن الخالة مقدمة في الحضانة على العمة لأن صفية بنت عبد المطلب كانت موجودة حينئذ وإذا قدمت على العمة مع كونها أقرب العصبات من النساء فهي مقدمة على غيرها.