داود بشر بن المفضل ويحيى بن القطان قال الثلاثة:(حدّثنا ابن عون) عبد الله (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أصاب عمر بخيبر أرضًا) وعند أحمد من رواية أيوب أن عمر أصاب أرضًا من يهود بني حارثة يقال لها ثمغ (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): إني (أصبت أرضًا لم أصب مالاً قطّ أنفس) أي أجود (منه) قال الداودي: سمي نفيسًا لأنه يأخذ بالنفس، وعند النسائي أنه قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها. قال الحافظ ابن حجر: فيحتمل أن تكون ثمغ من جملة أراضي خيبر وأن مقدارها كان
مائة سهم من السهام التي قسمها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين من شهد خيبر وهذه المائة سهم غير المائة سهم التي كانت لعمر بخيبر التي حصلها من جزئه من الغنيمة وغيرها، وكانت قصة عمر هذه فيما ذكره ابن شبة بإسناد ضعيف عن محمد بن كعب سنة سبع من الهجرة، وقال البكري في المعجم "ثمغ" موضع تلقاء المدينة كان فيه مال لعمر بن الخطاب فخرج إليه يومًا ففاتته صلاة العصر فقال: شغلتني ثمغ عن الصلاة أشهدكم أنها صدقة (فكيف تأمرني) أن أفعل (به)؟ من أفعال البر والتقرب إلى الله تعالى (قال) عليه الصلاة والسلام:
(إن شئت حبست أصلها) بتشديد الموحدة للمبالغة ولهذا كان صريحًا في الوقف، لاقتضائه بحسب الغلبة استعمالاً الحبس على الدوام وحقيقة الوقف تحبيس مال يمكنه الانتفاع به مع بقاء عينه يقطع تصرف الواقف وغيره في رقبته ليصرف ريعه في جهة خير تقربًا إلى الله تعالى (وتصدقت بها).
أي بالأرض المحبسة فهو صريح بنفسه أو إذا قيد بقرينة أو الضمير راجع إلى الثمرة والغلة وحينئذٍ فالصدقة على بابها لا على معنى التحبيس لكنه يكون على حذف مضاف أي وتصدقت بثمرتها وبريعها أو بغلتها وبه جزم القرطبي (فتصدق عمر) أي بها (أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) زاد الدارقطني من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع حبيس ما دامت السماوات والأرض، وظاهره أن الشرط من كلام عمر، لكن سبق في باب قول الله تعالى:{وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح}[النساء: ٦] وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم من طريق صخر بن جويرية عن نافع فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تصدق بأصله لا يباع ولا يورث ولكن ينفق ثمره" فتصدق به عمر أي كما أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في الفقراء) الذين لا مال لهم ولا كسب يقع موقعًا من حاجتهم (والقربى) أي الأقارب، والمراد قربى الواقف لأنه الأحق بصدقة قريبه، ويحتمل على بعد أن يراد قربى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في الغنيمة (والرقاب) أي في عتقها بأن يشتري من غلتها رقابًا فيعتقون (وفي سبيل الله) أي في الجهاد وهو أعم من الغزاة ومن شراء آلات الحرب وغير ذلك (والضيف) وهو من نزل بقوم يريد القرى (وابن السبيل) المسافر أو مريد السفر وأطلق عليه ابن السبيل لشدة ملازمته للسبيل وهي الطريق ولو بالقصد (لا جناح) لا إثم (على من وليها أن يأكل منها بالمعروف) أي بالأمر الذي يتعارفه الناس بينهم ولا ينسبون فاعله لإفراط فيه ولا تفريط (أو يطعم) وفي رواية صخر المذكورة أو يؤكل (صديقًا) له حال كونه (غير متمؤل فيه). أي غير متخذ منها وإلاّ أي ملكًا، والمراد أنه لا يتملك شيئًا من رقابها. وزاد الترمذي من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن ابن عون حدّثني به رجل أنه قرأها في قطعة أديم أحمر غير متأثل مالاً. قال ابن علية: وأنا قرأتها عند ابن عبيد الله بن عمر فكان فيه غير متأثل مالاً.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: إن شئت حبست أصلها إلخ إذ فيه شروط تكتب كلها في كتاب الوقف.
وقد كتب عمر -رضي الله عنه- كتاب وقفه هذا بخط معيقيب كما رواه أبو داود من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري بلفظ قال: نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا ما كتب عبد الله عمر بن الخطاب في ثمغ فقصّ من خبره نحو حديث نافع فقال: غير متأثل مالاً فما عفى عنه