وابن عساكر وأبي ذر والحموي ولكني، وفي رواية مما ليس في اليونينية ولكنني إذ يجوز في إن وأخواتها إلحاق نون الوقاية بها وعدمه (سمعته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول: من كذب عليَّ فليتبوّأ) بكسر اللام على الأصل وبسكونها على المشهور ومن موصول متضمن معنى الشرط والتالي صلته وفليتبوّأ جوابه أمر من التبوّء أي فليتخذ (مقعده من النار) أي فيها. والأمر هنا معناه الخبر أي أن الله تعالى يبوِّئه مقعده من النار، أو أمر على سبيل التهكم والتغليظ، أو أمر تهديد أو دعاء على معنى بوَّأه الله، وإنما خشي الزبير من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكنه قد يأثم بالإكثار، إذ الإكثار مظنة الخطأ، والثقة إذا حدَّث بالخطأ فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطأ يعمل به على الدوام للوثوق بنقله فيكون سببًا للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار، فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث، وأما من أكثر منهم
فمحمول على أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبّت أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان قاله الحافظ ابن حجر.
١٠٨ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَعَمَّدَ عَلَىَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين وسكون العين المهملة عبد الله بن عمرو المنقري البصري المعروف بالمقعد (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التيمي البصري (عن عبد العزيز) بن صهيب الأعمى البصري أنه قال: (قال أنس) أي ابن مالك رضي الله عنه، وفي رواية أبوي ذر والوقت بإسقاط قال الأولى:
(إنه ليمنعني أن أحدثكم) بكسر همزة إن الأولى مع التشديد، وفتح الثانية مع التخفيف أي ليمنعني تحديثكم (حديثًا كثيرًا) بالنصب فيهما والمراد جنس الحديث، ومن ثم وصفه بالكثرة (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من تعمد عليّ كذبًا) عامّ في جميع أنواع الكذب لأن النكرة في سياق الشرط كالنكرة في سياق النفي في إفادة العموم، والمختار أن الكذب عدم مطابقة الخبر للواقع ولا يشترط في كونه كذبًا تعمده والحديث يشهد له لدلالته على انقسام الكذب إلى متعمد وغيره (فليتبوّأ مقعده من النار) فأفاد أنس أن توقّيه من التحديث لم يكن للامتاع من أصل التحديث للأمر بالتبليغ، وإنما هو لخوف الإكثار المفضي إلى الخطأ. وقد ذهب الجويني إلى كفر من كذب متعمدًا عليه صلوات الله وسلامه عليه، ورده عليه ولده إمام الحرمين وقال: إنه من هفوات والده، وتبعه من بعده فضعفوه، وانتصر له ابن المنير بأن خصوصية الوعيد توجب ذلك إذ لو كان بمطلق النار لكان كل كاذب كذلك عليه وعلى غيره، فإنما الوعيد بالخلود. قال: ولهذا قال فليتبوّأ أي فليتخذها مباءة ومسكنًا وذلك هو الخلود، وبأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلاً لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله، واستحلال الحرام كفر والحمل على الكفر كفر، وأجيب عن الأوّل: بأن دلالة التبوّء على الخلود غير مسلمة ولو سلم فلا نسلم أن الوعيد بالخلود مقتضٍ للكفر بدليل متعمد القتل الحرام.
وأجيب عن الثاني: بأنَّا لا نسلم أن الكذب عليه ملازم لاستحلاله ولا لاستحلال متعلقه فقد يكذب عليه في تحليل حرام مثلاً مع قطعه بأن الكذب عليه حرام، وأن ذلك الحرام ليس بمستحل كما تقدم العصاة من المؤمنين على ارتكابهم الكبائر مع اعتقادهم حرمتها انتهى:
١٠٩ - حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ يَقُلْ عَلَىَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
وبه قال: (حدّثنا المكي) وفي رواية أبي ذر: حدّثني المكي بالإفراد والتعريف، وفي أخرى: حدّثني مكي بالإفراد والتنكير (ابن إبراهيم) البلخي (قال: حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين
الأسلمي، المتوفى بالمدينة سنة ست أو سبع وأربعين ومائة (عن سلمة) بفتح السين واللام (ابن الأكوع) واسم الأكوع سنان بن عبد الله السلمي المدني، المتوفى بالمدينة سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة، وله في البخاري عشرون حديثًا.
(سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي كلامه حال كونه (يقول: من يقل علي) أصله يقول حذفت الواو للجزم