ويفهم منه جواز استخراج العالم من القرآن بفهمه ما لم يكن مقولاً عن المفسرين إذا وافق أصول الشريعة ورفع فهم بالعطف على سابقه، فالاستثناء متصل قطعًا. وأما قول الحافظ ابن حجر: الظاهر أنه منقطع فمدفوع بأنه لو كان من غير الجنس لكان قوله أو فهم منصوبًا لأنه عطف على المستثنى، والمستثنى إذا كان من غير جنس المستثنى منه
يكون منصوبًا وما عطف عليه كذلك ثم عطف على قوله كتاب الله. قوله:(أو ما) أي الذي (في هذه الصحيفة) وهي الورقة المكتوبة وكانت معلقة بقبضة سيفه إما احتياطًا أو استحضارًا، وإما لكونه منفردًا بسماع ذلك، وللنسائي فأخرج كتابًا من قراب سيفه (قال) أبو جحيفة (قلت وما) وفى رواية الكشميهني فما وكلاهما للعطف أي أيّ شيء (في هذه الصحيفة؟ قال) علي رضي الله عنه، فيها (العقل) أي حكم العقل وهو الدّية لأنهم كانوا يعقلون فيها الإبل ويربطونها بفناء دار المستحق للعقل، والمراد أحكامها ومقاديرها وأصنافها وأسنانها، (وفكاك) بفتح الفاء ويجوز كسرها وهو ما يحصل به خلاص (الأسير ولا يقتل مسلم بكافر) بضم اللام عطف جملة فعلية على جملة اسمية أي
فيها العقل وفيها حرمة قصاص المسلم بالكافر. وفي رواية الأصيلي والكشميهني: وأن لا يقتل بزيادة أن المصدرية الناصبة وعطفت الجملة على المفرد لأن التقدير فيها أي الصحيفة حكم العقل وحكم تحريم قتل المسلم بالكافر، فالخبر محذوف. وحينئذ فهو عطف جملة على جملة، وحرمة قصاص المسلم بالكافر هو مذهب إمامنا الشافعي ومالك وأحمد والأوزاعي والليث وغيرهم من العلماء، خلافًا للحنفية. ويدل لهم أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتل مسلمًا بمعاهد وقال:(أنا أكرم من وفى بذمته) الحديث. رواه الدارقطني لكنه ضعيف فلا يحتج به، وتمام البحث في ذلك يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى.
ووقع عند المصنف ومسلم قال: ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة فإذا فيها المدينة حرم، ولمسلم وأخرج صحيفة مكتوبة فيها لعن الله من ذبح لغير الله، وللنسائي فإذا فيها المؤمنون يتكافؤون دماءهم يسعى بذمتهم أدناهم الحديث، ولأحمد فيها فرائض الصدقة. والجمع بين هذه أنّ الصحيفة كانت واحدة وكان جميع ذلك مكتوبًا فيها فنقل كلٌّ من الرواة عنه ما حفظ.
وبه قال:(حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين) بضم الدال المهملة وفتح الكاف (قال: حدّثنا شيبان) بفتح المعجمة وسكون المثناة التحتية ابن عبد الرحمن النحوي المؤدب البصري الثقة، المتوفى
سنة أربع وستين ومائة في خلافة المهدي (عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي مولاهم العطار أحد الأعلام الثقات العباد، المتوفى سنة تسع وعشرين ومائة. وقيل: سنة اثنتين وثلاثين (عن أبي سلمة) بفتح اللام عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وللمؤلف في الدّيات: حدّثنا أبو سلمة قال: حدّثنا أبو هريرة:
(أن خزاعة) بضم الخاء المعجمة وبالزاي غير منصرف للعلمية والتأنيث وهم حي من الأزد (قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه). في السيرة أن خراش بن أمية الخزاعي قتل جندب بن الأقرع الهذلى بقتيل قتل في الجاهلية يقال له أحمر، وعلى هذا فيكون قوله أنّ خزاعة قتلوا أي واحد منهم فأطلق عليه اسم الحيّ مجازًا (فأخبر) بضم الهمزة وكسر الموحدة (بذلك النبيّ) بالرفع نائب الفاعل (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فركب راحلته) الناقة التي تصلح أن يرحل عليها (فخطب) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: وإن الله) عز وجل (حبس) أي منع (عن مكة القتل) بالقاف المفتوحة والمثناة الفوقية (أو الفيل) بالفاء المكسورة والمثناة التحتية الحيوان المشهور (شك أبو عبد الله) أي البخاري وسقط قوله شك أبو عبد الله عند أبي ذر وابن عساكر وللأربعة قال أبو عبد الله كذا قال أبو نعيم هو الفضل بن دكين، وأراد به أن الشك فيه من شيخه واجعلوا بصيغة الأمر، وللأصيلي واجعلوه بضمير النصب أي اجعلوا اللفظ على الشك الفيل بالفاء أو القتل