كونه (خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ الناس أعلم) أي منهم على حدّ الله أكبر أي من كل شيء (فقال: أنا أعلم) الناس أي بحسب اعتقاده وهذا أبلغ
من السابق في باب الخروج في طلب العلم هل تعلم أن أحدًا أعلم منك؟ فقال: لا فإنه إنما نفى هناك علمه وهنا على البتّ، (فعتب الله عليه إذ) بسكون الدّال للتعليل (لم يردّ العلم إليه) فكان يقول نحو الله أعلم، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني إلى الله ويردّ بضم الدال اتباعًا لسابقها وبفتحها لخفته وبكسرها على الأصل في الساكن إذا حرك وجوّز الفك أيضًا، والعتب من الله محمول على ما يليق به فحمل على أنه لم يرض قوله شرعًا:، فإن العتب الذي هو معنى تغيير النفس مستحيل على الله تعالى:(فأوحى الله) تعالى (إليه أن عبدًا) بفتح الهمزة أي بأن وفي فرع اليونينية بكسرها على تقدير فقال إن عبدًا والمراد الخضر (من عبادي) كائنًا (بمجمع البحرين) أي ملتقى بحري فارس والروم من جهة الشرق أو بإفريقية أو طنجة (هو أعلم منك). أي بشيء مخصوص كما يدل عليه قول الخضر الآتي إن شاء الله تعالى إني على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم علمك لا أعلمه ولا ريب أن موسى أفضل من الخضر بما اختصّ به من الرسالة وسماع الكلام والتوراة، وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته ومخاطبون بحكم نبوّته حتى عيسى ﵇، وغاية الخضر أن يكون كواحد من أنبياء بني إسرائيل وموسى أفضلهم. وإن قلنا إن الخضر ليس بنبي بل وليّ، فالنبي أفضل من الوليّ وهو أمر مقطوع به، والقائل بخلافه كافر لأنه معلوم من الشرع بالضرورة، وإنما كانت قصة موسى مع الخضر امتحانًا لموسى ليعتبر، ووقع عند النسائي أنه عرض في نفس موسى ﵇ أن أحدًا لم يؤت من العلم ما أُوتي وعلم الله بما حدّث به نفسه، فقال: يا موسى إن من عبادي من آتيته من العلم ما لم أُوتك. (قال: رب) بحذف أداة النداء وياء المتكلم تخفيفًا اجتزاء بالكسرة وفي بعض الأصول يا رب (وكيف لي به) أي كيف السبيل إلى لقائه؟ (فقيل له احمل) بالجزم على الأمر (حوتًا) أي سمكة كائنة (في مكتل) بكسر الميم وفتح المثناة الفوقية شبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعًا كذا في العباب (فإذا فقدته) بفتح القاف أي الحوت (فهو ثم) بفتح المثلثة بمعنى هناك أي العبد الأعلم منك هناك (فانطلق) موسى (وانطلق بفتاه يوشع) مجرور بالفتحة عطف بيان لفتاه غير منصرف للعجمة والعلمية (ابن نون) مجرور بالإضافة منصرف كنوح ولوط على الفصحى، وفي رواية أبي ذر وانطلق معه فتاه فصرح بالمعيّة للتأكيد وإلاّ فالمصاحبة مستفادة من قوله بفتاه (وحملا حوتًا في مكتل) كما وقع الأمر به، وقد قيل كانت سمكة مملوحة، وقيل شق سمكة (حتى كانا عند الصخرة) التي عند ساحل البحر الموعود بلقي الخضر عنده (وضعا رؤوسهما وناما) وفي رواية الأربعة فناما بالفاء وكلاهما للعطف على وضعا، (فانسل الحوت) الميت المملوح (من المكتل) لأنه أصابه من ماء عين الحياة الكائنة في أصل الصخرة شيء إذ إصابتها مقتضية للحياة كما عند المؤلف في رواية (فاتخذ سبيله) أي طريقه (في البر سربًا) أي مسلكًا زاد في سورة الكهف، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عله مثل الطاق (وكان) إحياء الحوت المملوح وإمساك جرية الماء حتى صار مسلكًا (لموسى وفتاه عجبًا فانطلقا بقية) بالنصب على الظرف (ليلتهما) بالجر على الإضافة (ويومهما) بالنصب على إرادة سير جميعه وبالجر عطفًا على ليلتهما والوجه الأوّل هو الذي في فرع اليونينية، وفي مسلم كالمؤلف في التفسير بقية يومهما وليلتهما وهو الصواب
لقوله، (فلما أصبح) إذ لا يقال أصبح إلا عن ليل (قال موسى لفتاه آتنًا غداءنا) بفتح الغين مع المد وهو الطعام يؤكل أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) أي تعبًا والإشارة لسير البقية والذي يليها ويدل عليه قوله (ولم يجد موسى)﵇(مسًّا) وفي نسخة شيئًا (من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به) فألقي عليه الجوع