(و) قال (الحسن) البصريّ مما وصله الطبري أيضًا من طريق قتادة عنه (كل عليه هين) بتشديد الياء (هين) بسكونها ولأبي ذر: وهين بالواو مع التخفيف أيضًا (وهين) بالتشديد يريد أنهما لغتان كما
جاء في ألفاظ أخر وهي (مثل لين ولين، وميت وميت، وضيق وضيق) ثم أشار المؤلّف إلى قوله تعالى: ({أفعيينا}) [ق: ١٥]. بالخلق الأول أي (أفأعيا علينا حين أنشأكم وأنشأ خلقكم) أي ما أعجزنا الخلق الأول حين أنشأناكم وأنشأنا خلقكم حتى نعجز عن الإعادة من عيي بالأمر إذا لم يهتد لوجه علمه والهمزة فيه للإنكار وعدل عن التكلم في قوله أنشأكم إلى الغيبة التفاتًا. قال الكرماني: والظاهر أن لفظ حين أنشأكم إشارة إلى آية أخرى مستقلة وأنشأ خلقكم إلى تفسيره وهو قوله تعالى: {إذ أنشأكم من الأرض} [النجم: ٣٢]. فنقله البخاري بالمعنى حيث قال: حين أنشأكم بدل إذ أنشأكم أو هو محذوف في اللفظ واستغنى بالمفسر عن المفسر.
({لغوب}) [ق: ٣٨]. (النصب) يشير إلى قوله تعالى: {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسّنا من لغوب} [ق: ٣٨]. من تعب ولا نصب ولا إعياء وهو ردّ لما زعمت اليهود من أنه تعالى بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وقد أجمع علماء الإسلام قاطبة على أن الله تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام كما دل عليه القرآن. نعم اختلفوا في هذه الأيام أهي كأيامنا هذه أو كل يوم كألف سنة على قولين والجمهور على أنها كأيامنا هذه.
وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك وكعب أن كل يوم كألف سنة مما تعدون. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وحكى ابن جرير في أول الأيام ثلاثة أقوال: فروي عن محمد بن إسحاق أنه قال: يقول أهل التوراة ابتدأ الله الخلق يوم الأحد ويقول أهل الإنجيل ابتدأ الله الخلق يوم الاثنين، ونقول نحن المسلمون فيما انتهى إلينا عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابتدأ الله الخلق يوم السبت، ويشهد له حديث أبي هريرة خلق الله التربة يوم السبت والقول بأنه الأحد رواه ابن جرير عن السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن جماعة من الصحابة وهو نص التوراة، ومال إليه طائفة آخرون وهو أشبه بلفظ الأحد فبهذا كمل الخلق في ستة أيام فكان آخرهن الجمعة فاتخذه المسلمون عيدهم في الأسبوع.
({أطوارًا}) [نوح: ١٤]. أشار إلى قوله تعالى: {وقد خلقكم أطوارًا} أي (طورًا كذا، وطورًا كذا). مرتين أي خلقهم تارات إذ خلقهم أولاً عناصر ثم مركبات ثم أخلاطًا ثم نطفًا ثم علقًا ثم مضغًا ثم عظامًا ولحومًا ثم أنشأهم خلقًا آخر فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة أخرى ويقال فلان (عدا طوره أي قدره) أي: جاوزه وسقط لابن عساكر لفظة (أي).
٣١٩٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا بَنِي تَمِيمٍ أَبْشِرُوا. فقَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا. فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ. فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْيَمَنِ اقْبَلُوا
الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ. قَالُوا: قَبِلْنَا. فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَدِّثُ بَدْءَ الْخَلْقِ وَالْعَرْشِ. فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ رَاحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ. لَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ". [الحديث ٣١٩٠ - أطرافه في: ٣١٩١، ٤٣٦٥، ٤٣٨٦، ٧٤١٨].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن جامع بن شداد) بالمعجمة وتشديد الدال المهملة الأولى أبي صخر المحاربي (عن صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاي المازني البصري (عن عمران بن الحصين) بضم أوله (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: جاء نفر) عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة سنة تسع (من بني تميم إلى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(يا بني تميم أبشروا). بهمزة قطع بما يقتضي دخول الجنة وذلك حيث عرّفهم أصول العقائد التي هي المبدأ والمعاد وما بينهما ولما لم يكن جل اهتمامهم إلاّ بشأن الدنيا والاستعطاء (قالوا): ولأبي ذر: فقالوا (بشرتنا) وإنما جئنا للاستعطاء (فأعطنا) من المال قيل من القائلين الأقرع بن حابس وإن فيه بعض أخلاق البادية والفاء فصيحة (فتغير وجهه) عليه السلام أسفًا عليهم كيف آثروا الدنيا أو لكونه لم يكن عنده ما يعطيهم فيتألفهم به (فجاءه أهل اليمن)، وهم الأشعريون قوم أبي موسى (فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا أهل اليمن أقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قبلنا) ها (فأخذ) أي شرع (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحدّث بدء الخلق) نصب بنزع الخافض (والعرش. فجاء رجل)