شيبة) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي (عن أبي أحمد) محمد بن عبد الله الزبيري الأزدي (عن سفيان) الثوري (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله) ولغير أبي ذر قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أراه) بضم الهمزة أظنه (يقول الله) عز وجل (شتمني) بلفظ الماضي ولابن عساكر بلفظ
المضارع ولأبي ذر بدل قوله: أراه الخ ... (قال الله تعالى: يشتمني ابن آدم) بلفظ المضارع المفتوح
الأول وكسر التاء والشتم الوصف بما يقتضي النقص (وما ينبغي له أن يشتمني ويكذبني وما ينبغي له). أن يكذبني (أما شتمه فقوله: أن لي ولدًا) لاستلزامه الإمكان المستدعي للحدوث وذلك غاية النقص في حق الباري تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا. (وأما تكذيبه فقوله: ليس يعيدني كما بدأني) وهذا قول منكري البعث من عباد الأوثان وهو موضع الترجمة وهو من الأحاديث الآلهيات.
٣١٩٤ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي». [الحديث ٣١٩٤ - أطرافه في: ٧٤٠٤، ٧٤١٢، ٧٤٥٣، ٧٥٥٣، ٧٥٥٤].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا مغيرة بن عبد الرحمن القرشي عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لما قضى الله الخلق) أي خلقه كقوله تعالى: {فقضاهن سبع سماوات} [فصلت: ١٢]. أو أوجد جنسه. وقال ابن عرفة: قضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه (كتب) أي أمر القلم أن يكتب (في كتابه فهو عنده) أي فعلم ذلك عنده (فوق العرش): مكنونًا عن سائر الخلائق مرفوعًا عن حيز الإدراك ولا تعلق لهذا بما يقع في النفوس من تصوّر المكانية تعالى الله عن صفات المحدثات فإنه المباين عن جميع خلقه المتسلط على كل شيء بقهره وقدرته (إن رحمتي) بكسر الهمزة حكاية لمضمون الكتاب وتفتح بدلاً من كتب (غلبت) وفي رواية شعيب عن أبي الزناد في التوحيد تغلب (غضبي) والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب لأن السبق والغلبة باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة غالب سابق على تعلق الغضب لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة، وأما الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث.
وقال التوربشتي: وفي سبق الرحمة بيان أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب وأنها تنالهم من غير استحقاق وأن الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق ألا ترى أن الرحمة تشمل الإنسان جنينًا ورضيعًا وفطيمًا وناشئًا من غير أن يصدر منه شيء من الطاعة ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من المخالفات ما يستحق ذلك.
وقال في المصابيح: الغضب إرادة العقاب والرحمة إرادة الثواب والصفات لا توصف بالغلبة ولا يسبق بعضها بعضًا، لكن جاء هذا على الاستعارة ولا يمتنع أن تجعل الرحمة والغضب من صفات الفعل لا الذات فالرحمة هي الثواب والإحسان، والغضب هو الانتقام والعقاب، فتكون الغلبة على بابها أي أن رحمتي أكثر من غضبي فتأمله.
وقال الطيبي: وهو على وزان قوله تعالى: {كتب على نفسه الرحمة} [الأنعام: ١٢]. أي أوجب وعدًا أن يرحمهم قطعًا بخلاف ما يترتب عليه مقتضى الغضب والعقاب فإن الله تعالى كريم يتجاوز بفضله وأنشد:
وإني إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إبعادي ومنجز موعدي
وفي هذا الحديث تقدم خلق العرش على القلم الذي كتب المقادير وهو مذهب الجمهور، ويؤيده قول أهل اليمن في الحديث السابق لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جئنا نسألك عن هذا الأمر فقال:
"كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء".
وقد روى الطبراني في صفة اللوح من حديث ابن عباس مرفوعًا: إن الله خلق لوحًا محفوظًا من درة بيضاء صفحاتها من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابته نور لله في كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل