أيضًا ما علمي وعلمك في جنب علم الله تعالى إلا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من هذا البحر أي في جنب معلوم الله تعالى، وهو أحسن سياقًا من المسوق هنا وأبعد عن الإشكال ومفسر للواقع هنا والعلم يطلق، ويراد به المعلوم بدليل دخول حرف التبعيض وهو من في قوله من علم الله لأن العلم القائم بذات الله تعالى صفة قديمة لا تتبعض، فليس العلم هنا على ظاهره لأن علم الله تعالى لا يدخله نقص، وقيل نقص بمعنى أخذ لأن النقص أخذ خاص فيكون التشبيه واقعًا على الأخذ لا على المأخوذ منه إذ نقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا فهو كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
أي ليس فيهم عيب. وقيل: هذا الطائر من الطيور التي تعلو مناقيرها بحيث لا يعلق بها ماء البتة، (فعمد الخضر) بفتح الميم كضرب (إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه) بفأس فانخرقت ودخل الماء (فقال) له (موسى) عليه السلام هؤلاء (قوم حملونا بغير نول) بفتح أوّله أي بغير أجر (عمدت) بفتح الميم (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق) بضم المثناة الفوقية وكسر الراء على الخطاب مضارع أغرق أي لأن تغرق (أهلها) نصب على المفعولية ولا ريب أن خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها. وفي رواية ليغرق بفتح المثناة التحتية وفتح الراء على الغيب مضارع غرق أهلها بالرفع على الفاعلية. (قال) الخضر (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا) ذكره بما قال له قبل (قال) موسى (لا تؤاخذني بما نسيت) أي بالذي نسيته أو بنسياني أو بشيء نسيته يعني وصيته بأن لا يعترض عليه وهو اعتذار بالنسيان أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها زاد في رواية أبوي ذر والوقت: ولا ترهقني من أمري عسرًا أي ولا تغشني عسرًا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي فإن ذلك يعسر على متابعتك، (فكانت) المسألة (الأولى من موسى) عليه السلام (نسيانًا) بالنصب خبر كان، (فانطلقا) بعد خروجهما من السفينة (فإذا غلام) بالرفع مبتدأ لكونه تخصص بالصفة وهو قوله: (يلعب مع الغلمان) والخبر محذوف والغلام اسم للمولود إلى أن يبلغ، وكان الغلمان عشرة وكان الغلام أظرفهم وأوضأهم، واسم الغلام حيسون أو حيسور. وعن الضحاك يعمل بالفساد ويتأذّى منه
أبواه، وعن الكلبي يسرق المتاع بالليل فإذا أصبح لجأ إلى أبويه فيقولان لقد بات عندنا، (فأخذ الخضر برأسه من أعلاه) أي جرّ الغلام برأسه (فاقتلع رأسه بيده) وعنده في بدء الخلق فأخذ الخضر برأسه فقطعه هكذا وأومأ سفيان بأطراف أصابعه كأنه يقطف شيئًا. وعن الكلبي صرعه ثم نزع رأسه من جسده فقتله، والفاء في اقتلع للدلالة على أنه لما رآه اقتلع رأسه من غير تروٍّ واستكشاف حال (فقال موسى) للخضر عليه السلام: (أقتلت نفسًا زكية) بتشديد الياء أي طاهرة من الذنوب وهي أبلغ من زاكية بالتخفيف. وقال أبو عمرو بن العلاء: الزاكية التي لم تذنب قطّ. والزكية التي أذنبت ثم غفرت، ولذا اختار قراءة التخفيف فإنها كانت صغيرة لم تبلغ الحلم، وزعم قوم أنه كان بالغًا يعمل بالفساد واحتجوا بقوله:(بغير نفس) والقصاص إنما يكون في حق البالغ ولم يرها قد أذنبت ذنبًا يقتضي قتلها أو قتلت نفسًا فتقاد به نبّه به على أن القتل إنما يباح حدًّا أو قصاصًا، وكلا الأمرين منتفٍ. والهمزة في أقتلت ليست للاستفهام الحقيقي فهي كهي في قوله تعالى:{ألم يجدك يتيمًا فآوى} وكان قتل الغلام في أبلة بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام المفتوحة بعدها هاء مدينة قرب بصرة وعبادان (قال) الخضر لموسى عليهما السلام: (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا) بزيادة لك في هذه المرة زيادة في المكافحة بالعتاب على رفض الوصية والوسم بقلة الثبات والصبر لما تكرر منه الاشمئزاز والاستنكار ولم يرعو بالتذكير أوّل مرة حتى زاد في الاستكثار ثاني مرة (قال ابن عيينة) سفيان (وهذا أوكد) واستدل عليه بزيادة لك في هذه المرة (فانطلقا حتى أتيا) وفي رواية غير أبي ذر حتى إذا أتيا موافقة للتنزيل (أهل قرية) هي أنطاكية أو أبلة أو ناصرة أو برقة أو غيرهن فلما وافياها بعد غروب الشمس (استطعما أهلها) واستضافوهم