للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واذكر (﴿في الكتاب مريم إذ

انتبذت من أهلها﴾) [مريم: ١٦] قال ابن عباس فيما وصله الطبري في قوله تعالى: ﴿فنبذناه﴾ [الصافات: ١٤٥] في قصة يونس أي (ألقيناه) بالقاف (اعتزلت) ﴿شرقيًّا﴾، قال أبو عبيدة: (مما يلي الشرق) من بيت المقدس أو من دارها للعبادة لا يقال هذا تكرار، فقد سبق باب في قول الله تعالى: ﴿واذكر في الكتاب مريم﴾ لأن هذا الباب معقود لأخبار عيسى والسابق لأخبار أمه مريم (فأجاءها﴾ المخاض من (أفعلت من جئت) أي من مزيد جاء تقول جئت إذا أخبرت عن نفسك ثم إذا أردت تعدي به إلى غيرك تقول: أجأت زيدًا فالضمير هنا يرجع إلى مريم وفاعل أجاء المخاض (ويقال: ألجأها) أي (اضطرها) المخاض وهو الطلق إلى جذع النخلة وكانت يابسة. قال في الكشاف: أجاء منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء.

﴿تساقط﴾ [مريم: ٢٥] بتشديد السين أصله تتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر والكسائي أي (تسقط) بفتح أوله وضم ثالثه، وهذا قول أبي عبيد لكنه ضبط تساقط بضم أوله من الرباعي وهي قراءة حفص روي أنها كانت نخلة يابسة ولا رأس لها ولا ثمرة وكان الوقت شتاء فهزته فجعل الله له رأسًا وخوصًا ورطبًا يسليها بذلك لما فيه من المعجزة الدالة على براءة ساحتها.

﴿قصيًا﴾ في قوله تعالى: ﴿فانتبذت به مكانًا قصيًا﴾ [مريم: ٢٢] أي (قاصيًا) قال ابن عباس: أقصى وادي بيت لحم فرارًا من قومها أن يعيِّروها بولادتها من غير زوج (فريًّا) في قوله: ﴿لقد جئت شيئًا فريًّا﴾ [مريم: ٢٧] أي (عظيمًا) وقيل منكرًا (قال ابن عباس: نسيًّا) في قوله تعالى: ﴿يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًّا﴾ [مريم: ٢٣] أي (لم أكن شيئًا وقال غيره) أي غير ابن عباس: (النسي) هو (الحقير) وهذا قول السدي.

(وقال أبو وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة: (علمت مريم أن التقي ذو نهية) بضم النون وبعد الهاء الساكنة تحتية مفتوحة. وقال عياض بالضم: الرواية، وقد يقال بفتحها أي عقل لأنه ينهى صاحبه عن القبائح ويقال فيه ذو نهاية حكاه ثابت، وقد تكون النهية من النهي بمعنى الفعلة الواحدة منه والنهية بالفتح واحد النهي مثل ثمرة وتمر أي أن له من نفسه في كل حال زاجرًا ينهاه كما يقال التقي ملجم يقال نهيته ونهوته (حين قالت) لجبريل لما أتاها بصورة شاب أمرد سويّ الخلق لتستأنس بكلامه: إني أعوذ بالرحمن منك (﴿إن كنت تقيًّا﴾) أي تتقي الله وتحتفل بالاستعاذة فانته عني.

(وقال) بالواو ولغير أبي ذر قال (وكيع) هو ابن الجراح (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جدّه (أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) بن عازب (﴿سريًّا﴾) [مريم: ٢٤] في قوله تعالى: ﴿قد جعل ربك تحتك سريًّا﴾ [مريم: ٢٤] هو: (نهر صغير بالسريانية) رواه ابن أبي حاتم هكذا عن الراء موقوفًا، وفي تفسير ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعًا: السريّ في هذه الآية نهر أخرجه الله لمريم لتشرب منه.

٣٤٣٦ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلاَّ ثَلَاثَةٌ: عِيسَى، وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ، وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: الرَّاعِي، قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ؟ قَالَ: لَا، إِلاَّ مِنْ طِينٍ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ يَمَصُّ إِصْبَعَهُ، ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَتْ: لِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الأَمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ وَلَمْ تَفْعَلْ».

وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي ابن زيد الأزدي (عن محمد بن سيرين) الأنصاري (عن أبي هريرة) (عن النبي ) أنه (قال):

(لم يتكلم في المهد) وهو ما يهيأ للصبي أن يربى فيه (إلا ثلاثة). واستشكل الحصر بما روي من كلام غير الثلاثة. وأجيب: باحتمال أن يكون المعنى لم يتكلم في بني إسرائيل أو قاله قبل أن يعلم الزيادة أو الثلاثة بقيد المهد.

فالأول: (عيسى) ابن مريم .

(و) الثاني (كان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج) وفي حديث أبي سلمة أنه كان تاجرًا وكان ينقص مرة ويزيد أخرى فقال: ما في هذه التجارة خير لألتمسن تجارة هي خير من هذه فبنى صومعة وترهب فيها. وعند أحمد وكانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فتكلمه و (كان يصلّي) يومًا (جاءته) ولأبي ذر عن الكشميهني فجاءته (أمه فدعته) فقالت يا جريج (فقال) في نفسه: (أجيبها) وأقطع صلاتي (أو أصلي) فآثر الصلاة على إجابتها بعد أن دعته ثلاثًا كما في الرواية الأخرى أنها دعته ثلاثًا (فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات) بضم الميم الأولى وكسر

<<  <  ج: ص:  >  >>