للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخطاب (قال: لا والله، ما قال النبي لعيسى) أي عن عيسى (أحمر) أقسم على غلبة ظنّه أن الوصف اشتبه على الراوي

وأن الموصوف بكونه أحمر إنما هو الدجّال لا عيسى؛ وكأنه سمع ذلك سماعًا جزمًا في وصف عيسى بأنه آدم كما في الحديث السابق، فساغ له الحلف على ذلك لما غلب على ظنه أن من وَصَفه بأنه أحمر فقد وهم. وقد وافق أبو هريرة على أن عيسى أحمر، فظهر أن ابن عمر أنكر ما حفظه غيره. والأحمر عند العرب: الشديد البياض مع الحمرة. والآدم: الأسمر. وجمع بين الوصفين بأنه احمرّ لونه بسبب كالتعب وهو في الأصل أسمر.

(ولكن قال: بينما) بالميم (أنا نائم) رأيت أني (أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم) أسمر (سبط الشعر) أي مسترسل الشعر غير جعد. وفي الحديث السابق في باب قوله تعالى: ﴿وهل أتاك حديث موسى﴾ [طه: ٩] من حديث ابن عباس: "جعد" وهو ضد السبط. وجمع بينهما بأنه سبط الشعر جعد الجسم لا الشعر؛ والمراد اجتماعه واكتنازه؛ قال الجوهري: رجل سبط الشعر وسبط الجسم أي حسن القدّ والاستواء، قال الشاعر:

فجاءَت به سَبْطَ العظامِ كأنَّما … عِمَامَتُهُ بَيْنَ الرِّجالِ لواءُ

(يهادى بين رجلين) بضم الياء وفتح الدال؛ أي يمشي متمايلاً بينهما (ينطف) بضم الطاء المهملة. ولأبي ذرّ: "ينطِف" بكسرها؛ أي يقطر (رأسه ماء) نصب على التمييز (-أو يهراق رأسه ماء-) بضم الياء وفتح الهاء وتسكّن. والشك من الراوي. (فقلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم. فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر) اللّون (جسيم جعد) شعر (الرأس أعور عينه اليمنى) بالإضافة، و"عينه" بالجرّ، و"اليمنى" صفته. وفي ذلك أمران: أحدهما أن قوله: "أعور عينه" من باب الصفة المجردة عن اللام المضافة إلى معمولها المضاف إلى ضمير الموصوف، نحو: حسن وجهه.

وسيبويه وجميع البصريين يجوّزونها على قبح في ضرورة فقط. وأنشد سيبويه للاستدلال على مجيئها في الشعر قول الشمّاخ:

أَقَامَتْ على رَبْعَيهِمَا جَارَتَا صَفًا … كُمَيْت الأَعالي جَوْنَتَا مُصْطَلاهما

فـ "جونتا مصطلاهما" نظير "حسن وجهه". وأجازه الكوفيون في السعة بلا قبح. وهو الصحيح، لوروده في هذا الحديث وفي حديث صفة : "شئن الكفّين طويل أصابعه" قال أبو علي -وهو ثقة-: كذا رويته بالخفض. وذكر الهروي وغيره في حديث أم زرع: "صفر وشامها".

ومع جوازه ففيه ضعف لأنه يشبه إضافة الشيء إلى نفسه.

ثانيهما: أن الزجاج ومتأخري المغاربة ذهبوا إلى أنه لا يتبع معمول الصفة المشبهة بصفة؛ مستندين فيه إلى عدم السماع من العرب، فلا يقال: زيد حسن الوجه المشرق، بجر "المشرق" على أنه صفة للوجه. وعلّل بعضهم المنع بأن معمول الفة لما كان سببًا غير أجنبي أشبه الضمير لكونه أبدًا محالاً على الأول وراجعًا إليه، والضمير لا ينعت فكذا ما أشبهه. قال ابن هشام في المغني: ويشكل عليهم الحديث في صفة الدجال أعور عينه اليمنى؛ قال في المصابيح: خرّجه بعضهم على

أن "اليمنى" خبر مبتدأ محذوف لا صفة لعينه، وكأنه لما قيل: أعور عينه، قيل أي عينيه؟ فقيل: اليمنى، أي هي اليمنى. وللأصيلي كما في الفتح: "عينُه" بالرفع، بقطع إضافة "أعور عينه" ويكون بدلاً من قوله "أعور" أو مبتدأ حذف خبره تقديره: عينه اليمنى عوراء، وتكون هذه الجملة صفة كاشفة لقوله: "أعور" قاله في العمدة.

(كأن عينه عنبة طافية) بغير همز: بارزة خرجت عن نظائرها. وضبّب في الفرع على قوله: "عينه" الذي بالتحتية والنون. ولأبي ذرّ والحموي والمستملي: "كأن عنبة طافية" بإسقاط "عينه" واحدة العيون، وإثبات "عنبة" بالموحدة ونصبها كتاليها اسم "كأنّ" والخبر محذوف، أي: كأن في وجهه عنبة طافية، كقوله:

إن مَحَلاًّ وإن مُرْتَحَلاً

أي: إن لنا محلاًّ وإن لنا مرتحلاً. وأعربه الدماميني بأن قوله "اليمنى" مبتدأ، وقوله "كأن عنبة طافية" خبره، والعائد محذوف تقديره: كأن فيها. قال: ويكون هذا وجهًا آخر في دفع ما قاله ابن هشام، يعني من الاستشكال في صفة الدجال السابق قريبًا. ولأبي ذرّ

<<  <  ج: ص:  >  >>