من كنوز الأرض ما يخشى من الاشتغال به أن لا يتفرع للعبادة وبين أن لا يؤتيه من الدنيا إلا الكفاف وإن كانت السعة أسهل منه. قال في الفتح: والإثم على هذا أمر نسبي لا يراد منه معنى الخطيئة لثبوت العصمة.
(وما انتقم رسول الله ﷺ لنفسه) خاصة كعفوه عن الرجل الذي جفا في رفع صوته عليه وقال: إنكم يا بني عبد المطلب مطل. رواه الطبراني وعن الآخر الذي جبذه بردائه حتى أثر في كتفه رواه البخاري. (إلا أن تنتهك) بضم الفوقية وسكون النون وفتح الفوقية والهاء أي لكن إذا انتهكت (حرمة الله) ﷿ (فينتقم لله) لا لنفسه ممن ارتكب تلك الحرمة (بها) أي بسببها لا يقال إنه انتقم لنفسه حيث أمر بقتل عبد الله بن خطل وعقبة بن أبي معيط وغيرهما ممن كان يؤذيه لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب، ومسلم في الفضائل، وأبو داود في الأدب.
٣٥٦١ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: "مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ -أَوْ عَرْفًا قَطُّ- أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ -أَوْ عَرْفِ- النَّبِيِّ ﷺ".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن ثابت) البناني (عن أنس ﵁) أنه (قال):
(ما مسست) بكسر السين المهملة الأولى وتفتح وتسكين الثانية (حريرًا ولا ديباجًا) بكسر الدال المهملة وتفتح وهذا من عطف الخاص على العام لأن الديباج نوع من الحرير (ألين من كف
النبي ﷺ) وفي حديث ابن أبي هالة عند الترمذي في صفته ﵊ أنه كان شئن الكفّين أي غليظهما في خشونة وجمع بينهما بأن المراد اللين في الجلد والغلظ في العظام فيكون قويّ البدن ناعمه. (ولا شممت) بفتح الشين المعجمة وكسر الميم الأولى وتفتح وتسكين الثانية (ريحًا قط) أو قال (عرفًا قط) بفتح العين المهملة وبعد الراء الساكنة فاء بالشك من الراوي (أطيب من ريح) رسول الله ﷺ (أو) قال (عرف النبي ﷺ) بالفاء أيضًا، ووقع في بعض الروايات أو عرق بفتح الراء وبعدها قاف فأو على هذا للتنويع، لكن المعروف الأول وهو الريح الطيب.
وهذا الحديث من أفراده نعم أخرجه مسلم بمعناه.
٣٥٦٢ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا".
[الحديث ٣٥٦٢ - طرفاه في: ٦١٠٢، ٦١١٩].
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ مِثْلَهُ، "وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد الأسدي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السلمي (عن عبد الله بن أبي عتبة) بضم العين المهملة وسكون الفوقية وفتح الموحدة مولى أنس بن مالك (عن أبي سعيد الخدري ﵁) أنه (قال):
(كان النبي ﷺ أشد حياء) نصب على التمييز وهو تغير وانكسار عند خوف ما يعاب أو يذم (من العذراء) بالذال المعجمة البكر لأن عذرتها وهي جلدة البكارة باقية إذا دخل عليها (في خدرها) بكسر الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة أي في سترها الذي يكون في جنب البيت وهو من باب التتميم لأن العذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما تكون خارجة عنها لكون الخلوة مظنة وقوع الفعل بها، ومحل وجود الحياء منه ﷺ في غير حدود الله.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب، ومسلم في فضانل النبي ﷺ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار قال: (حدّثنا يحيى) القطان (وابن مهدي) عبد الرحمن (قالا: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (مثله) مثل الحديث السابق متنًا وإسنادًا، وزاد محمد بن بشار على رواية مسدد في رواية عبد الرحمن بن مهدي وحده (وإذا كره) ﷺ (شيئًا عرف في وجهه) لتغيره بسبب ذلك.
٣٥٦٣ - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: "مَا عَابَ النَّبِيُّ ﷺ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلاَّ تَرَكَهُ".
[الحديث ٣٥٦٣ - طرفه في: ٥٤٠٩].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدثنا (عليّ بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الجوهري البغدادي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي وليس هو أبا حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد (عن أبي هريرة ﵁) أنه (قال):
(ما عاب النبي ﷺ طعامًا) مباحًا (قط) كأن يقول مالح قليل الملح ونحوهما (إن اشتهاه أكله وإلاّ)