الصحابة لا مطلقًا وإلا لزمه أن لا يسمى الشخص صحابيًّا في حال حياته ولا يقول بهذا أحد كذا قرره الجلال المحلي، لكن انتزع بعضهم من قول الأشعري أن من مات مرتدًّا تبين أنه لم يزل كافرًا لأن الاعتبار بالخاتمة صحة إخراجه فإنه يصح أن يقال: لم يره مؤمنًا لكن في هذا الانتزاع نظر لأنه حين رؤيته كان مؤمنًا في الظاهر، وعليه مدار الحكم الشرعي فيسمى صحابيًّا قاله شيخنا في فتح المغيث.
٣٦٤٩ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ لَهُمْ نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ
النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري الصحابي ابن الصحابي -رضي الله عنهما- (يقول: حدّثنا أبو سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يأتي على الناس زمان فيغزو فئام) بكسر الفاء بعدها همزة مفتوحة فألف فميم أي جماعة (من الناس) لا واحد له من لفظه. قال الجوهري في صحاحه والعامة تقول: قيام بلا همز. قال المحقق البدر الدماميني في مصابيحه: لا حرج عليهم في ذلك ولا يعدون به لا حنين فإن تخفيف الهمزة فى مثله بقلب حركتها حرفًا مجانسًا لحركة ما قبلها عربي فصيح وهو قياس، وغاية الأمر أنهم التزموا التخفيف فيه وهو غير ممتنع (فيقولون) أي الذين يغزونهم لهم (فيكم) بحذف أداة الاستفهام (من صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح ميم من (فيقولون) لهم (نعم) فينا من صاحبه (فيفتح لهم) بضم التحتية وفتح الفوقية (ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال) لهم (هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) وهو التابعي (فيقولون) لهم (نعم فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال): لهم (هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) بفتح الحاء من صاحب في الموضعين كميم من، والمراد أتباع التابعين.
(فيقولون): لهم (نعم فيفتح لهم).
وهذا الحديث قد مرّ قريبًا في علامات النبوة وقبله في الجهاد.
٣٦٥٠ - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ قال سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. قَالَ عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) بن راهويه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي جمرة) بجيم مفتوحة وميم ساكنة فراء نصر بن عمران الضبعي أنه قال: (سمعت زهدم بن مضرب) بفتح الزاي وسكون الهاء بعدها دال مهملة مفتوحة ثم ميم ومضرب بضم الميم وفتح الضاد وكسر الراء المشددة وبعدها موحدة الجرمي بفتح الجيم (قال: سمعت عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (-رضي الله عنهما- يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(خير أمتي) أهل (قرني) بفتح القاف والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة ويطلق على مدة من الزمان واختلف في تحديدها من عشرة أعوام إلى مائة وعشرين، والمراد بهم هنا الصحابة (ثم الذين يلونهم) أي يقربون منهم وهم التابعون (ثم الذين يلونهم) وهم أتباع التابعين، وهذا صريح في أن الصحابة أفضل من التابعين وأن التابعين أفضل من تابعي التابعين، وهذا مذهب الجمهور. وذهب ابن عبد البر إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة وأن قوله عليه الصلاة والسلام: خير الناس قرني، ليس على عمومه بدليل ما يجمع القرن بين الفاضل والمفضول. وقد جمع قرنه عليه الصلاة والسلام جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان وأهل الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود.
وقد روى أبو أمامة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي". وفي مسند أبي داود الطيالسي عن محمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر -رضي الله عنه- قال: كنت جالسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "أتدرون أي الخلق أفضل إيمانًا؟ " قلنا: الملائكة قال: "وحق لهم بل غيرهم" قلنا: الأنبياء. قال: "وحق لهم بل غيرهم" ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ