ولغ فيه ولو كان قليلاً شاذ فإن ذلك إنما خرج مخرج الغالب لا للقيد وخرج بقوله: ولغ. وكذا شرب ما إذا كان جامدًا لأن الواجب حينئذ إلقاء ما أصابه الكلب بفمه ولا يجب غسل
الإناء حينئذ إلا إذا أصابه فم الكلب مع الرطوبة فيجب غسل ما أصابه فقط سبعًا، لأنه إذا كان ما فيه جامدًا لا يسمى أخذ الكلب منه شربًا ولا ولوغًا كما لا يخفى ولم يقع في رواية مالك الترتيب، ولا ثبت في شيء من الروايات عن أبي هريرة إلا عن ابن سيرين، والإضافة التي في إناء أحدكم ملغى اعتبارها لأن الطهارة لا تتوقف على ملكه، ومفهوم الشرط في قوله: إذا ولغ يقتضي قصر الحكم على ذلك، لكن إذا قلنا إن الأمر بالغسل يتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلاً ويكون ذكر الولوغ للمغالب، وأما إلحاق باقي أعضائه كيده ورِجله فالمذهب المنصوص أنه كذلك لأنه فمه أشرفها فيكون غيره من باب أولى.
وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى. وفي رواية ابن عساكر كما في الفرع كأصله قبل هذا الحديث باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا. حدّثنا عبد الله بن يوسف، وهو الذي شرح عليه الحافظ ابن حجر، لكن يليه عنده حديث إسحاق بن منصور الكوسج أن رجلاً.
وفي رواية بهامش اليونينية بعد حديث عبد الله بن يوسف إذا شرب الكلب، وسقطت الترجمة والباب في بعض النسخ لأبي ذر والأصيلي.
١٧٣ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَنَّ رَجُلاً رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ».
[الحديث ١٧٣ - أطرافه في: ٢٣٦٣، ٢٤٦٦، ٦٠٠٩].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي الثقة الثبت، المتوفى سنه إحدى وخمسين ومائتين وليس هو إسحاق بن إبراهيم الحمصي كما جزم به أبو نعيم في المستخرج (قال: أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث (قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) المدني العدوي وتكلم فيه لكنه صدوق ولم ينفرد بهذا (قال):
(سمعت أبي) عبد الله بن دينار التابعي مولى ابن عمر ﵄ (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) ﵁ (عن النبي ﷺ أن رجلاً) من بني إسرائيل (رأى) أي أبصر (كلبًا يأكل الثرى) بالمثلثة المفتوحة وبالراء المقصورة التراب الندي أي يلعقه (من العطش) أي بسببه (فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه) أي جعله ريان، وفي رواية: بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه الحرّ فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان نزل بي فنزل البئر فملأ خفّه ماء ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب (فشكر الله له) أي أثنى عليه أو جازاه (فادخله الجنة) من باب عطف الخاص على العام أو الفاء تفسيرية على حدّ قوله تعالى: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾
[البقرة: ٥٤] على ما فسر أن القتل كان نفس توبتهم، وفي الرواية الأخرى فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجْرًا؟ فقال: "إن في كل كبد رطبة أجْرًا". وقد استدل بعض المالكية للقول بطهارة الكلب بإيراد المؤلف هذا الحديث في هذه الترجمة من كون الرجل سقى الكلب في خفّه، واستباح لبسه في الصلاة دون غسله إذ لم يذكر الغسل في الحديث، وأجيب باحتمال أن يكون صب في شيء فسقاه أو لم يلبسه، ولئن سلمنا سقيه فيه فلا يلزمنا لأنه وإن كان شرع غيرنا فهو منسوخ في شرعنا.
وهذا الحديث من السداسيات، ورواته ما بين مروزي وبصري ومدني وفيه تابعيان وهما: عبد الله بن دينار وأبو صالح والتحديث والإخبار والسماع والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الشرب والمظالم والأدب وذكر بني إسرائيل، ومسلم في الحيوان، وأبو داود في الجهاد.
١٧٤ - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتِ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
(وقال أحمد بن شبيب) بفتح المعجمة وكسر الموحدة ابن سعيد أبو عبد الله التيمي الحنظلي البصري، المتوفى بعد المائتين وهو من شيوخ المؤلف (حدّثنا أبي) شبيب (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: حدّثي) بالإفراد (حمزة) بالحاء المهملة والزاي (ابن عبد الله) بن عمر بن الخطاب أبو عمارة القرشي العدوي المدني التابعي الثقة الجليل (عن أبيه) عبد الله بن عمر ﵁ أنه (قال):
(كانت الكلاب تقبل وتدبر) حال كونها (في المسجد) النبوي المدني، وفي غير رواية الأربعة تبول وتقبل وتدبر في السجد (في زمان رسول الله