دلني (فداك أبي وأمي) قال الطيبي: هذا التركيب باستعارة لذكر المشبه وهو الحوقلة والمشبه به وهو الكنز ولا التشبيه الصرف لبيان الكنز بقوله: "من كنوز الجنة" بل هو من إدخال الشيء في جنس وجعله أحد أنواعه على التغليب فالكنز إذًا نوعان المتعارف وهو المال الكثير يجعل بعضه فوق بعض ويحفظ، وغير المتعارف وهو هذه الكلمة الجامعة المكتنزة بالمعاني الإلهية لما أنها محتوية على التوحيد الخفي لأنه إذا نفيت الحيلة والحركة والاستطاعة عما من شأنه ذلك وأثبتت لله على سبيل الحصر وبإيجاده واستعانته وتوفيقه لم يخرج شيء من ملكه وملكوته قال: ومن الدلالة على أنها دالة على التوحيد الخفي قوله عليه الصلاة والسلام لأبي موسى ألا أدلك على كنز مع أنه كان يذكرها في نفسه فالدلالة إنما تستقيم على ما لم يكن عليه وهو أنه لم يعلم أنه توحيد خفي وكنز من الكنوز ولأنه لم يقل ما ذكرته كنز من الكنوز بل صرح بها حيث (قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) تنبيهًا له على هذا السر والله أعلم، وسقط لأبي ذر لفظ من كنوز.
٤٢٠٦ - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدةٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ فَقُلْتُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَثَاتٍ فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ.
وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) علم لا نسبة لمكة ووهم صاحب الكواكب قال: (حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين (قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة) بن الأكوع (فقلت) له: (يا أبا مسلم) وهي كنية سلمة (ما هذه الضربة)؟ التي بساقك (قال: هذه ضربة أصابتني) ولابن عساكر أصابتنا وللأصيلي وأبوي الوقت وذر أصابتها أي رجله (يوم خيبر. فقال الناس: أصيب سلمة فأتيت النبي) ولأبي ذر عن الكشميهني إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنفث فيه) أي في موضع الضربة (ثلاث نفثات) بالمثلثة بعد الفاء فيهما جمع نفثة وهي فوق النفخ ودون التفل بريق خفيف وغيره (فما اشتكيتها حتى الساعة) بالجر في اليونينية على أن حتى جارة وفي غيرها بالنصب بتقدير زمان أي فما اشتكيتها زمانًا حتى الساعة.
وهذا الحديث من الثلاثيات.
٤٢٠٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: الْتَقَى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَاّ اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدُهُمْ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ فَقَالَ: «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فَقَالُوا: أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لأَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا ابن أبي حازم) عبد العزيز (عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل) أي ابن سعد الساعدي الأنصاري أنه (قال: التقى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمشركون) من يهود خيبر (في بعض مغازيه) يعني خيبر (فاقتتلوا فمال كل قوم) من المسلمين واليهود (إلى عسكرهم) أي رجعوا بعد فراغ القتال في ذلك اليوم (وفي المسلمين رجل) اسمه قزمان (لا يدع من المشركين) نسمة (شاذة) انفردت عنهم بعد أن كانت معهم (ولا فاذة) منفردة لم تكن معهم قبل (إلا اتبعها) بتشديد الفوقية (فضربها بسيفه) فقتلها (فقيل: بل رسول الله ما أجزأ) منا (أحد) ولأبي الوقت أحدهم (ما أجزأ فلان) بالجيم والزاي فيهما (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(إنه من أهل النار) (فقالوا: أينا من أهل الجنة وإن كان هذا) مع جده وجهاده (من أهل النار؟ فقال رجل من القوم) اسمه أكتم بن أبي الجون: (لأتبعنه فإذا أسرع) المشي (وأبطأ) فيه (كنت معه حتى جرح) جرحًا شديدًا فوجد ألم الجراحة (فاستعجل الموت فوضع نصاب سيفه) أي مقبضه ملتصقًا (بالأرض وذبابه) طرفه (بين ثدييه ثم تحامل) اتكأ (عليه فقتل نفسه).
وعند الواقدي أن قزمان كان تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء فخرج حتى صار في الصف الأوّل فكان أوّل من رمى بسهم، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار فأمر به قتادة بن النعمان فقال له: هنيئًا لك الشهادة. قال: إني والله ما قاتلت على دين إنما قاتلت على حسب قومي ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه، لكن قوله يوم أُحد خالف فيه وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف؟ نعم في حديث أبي يعلى الموصلي تعيين يوم أُحد لكنه مما وقع الاختلاف فيه على الراوي كما مرّ.
(فجاء الرجل) أي الذي اتبعه (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: اشهد أنك رسول الله. فقال: وما ذاك؟ فأخبره) بقتل قزمان نفسه (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل