أداة النداء (أكذاك تقول؟ قلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلمه الله له {إذا جاء نصر الله والفتح}) [النصر: ١] أي (فتح مكة فذاك علامة أجلك) أي موتك ({فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّابًا}) (النصر: ٣] أمره تعالى بعد أن بذل المجهود فيما كلف به من تبليغ الرسالة ومجاهدة أعداء الدين بالإقبال على التسبيح والاستغفار والتأهب للمسير إلى المقامات العليا واللحوق بالرفيق الأعلى، وهذا المعنى هو الذي فهمه منها ابن عباس حتى ردّ به على أولئك المشايخ وقال: أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصدقه عمر كما قال: (قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم) وروي أن عمر لما سمعها بكى وقال: الكمال دليل الزوال.
٤٢٩٥ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهْوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْغَدَ مِنْ يَوْمَ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، لَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا، فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ مَاذَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الخَرْبَةُ: الْبَلِيَّةُ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن شرحبيل) بالشين المعجمة المضمومة والراء المفتوحة بعدها حاء مهملة ساكنة فموحدة مكسورة الكندي الكوفي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ولأبي ذر: ليث (عن المقبري) بفتح الميم وسكون القاف وضم الموحدة سعيد بن كيسان وكان يسكن عند
المقبرة فنسب إليها (عن أبي شريح) بالشين المعجمة المضمومة أوله والحاء المهملة آخره خويلد بضم الخاء مصغرًا (العدوي) بفتح المهملتين وكسر الواو (إنه قال لعمرو بن سعيد) بفتح العين وسكون الميم ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأشدق وكان أمير المدينة (وهو يبعث البعوث إلى مكة): لغزو عبد الله بن الزبير لامتناعه من مبايعة يزيد بن معاوية (ائذن لي أيها الأمير أحدثك) بالجزم جواب الأمر (قولاً قام به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغد) ظرف وهو اليوم الثاني (من يوم الفتح) ولغير أبي ذر يوم الفتح بإسقاط الجار (سمعته أذناي ووعاه) أي حفظه (قلبي) وتحقق فهمه (وأبصرته عيناي) بتاء التأنيث كسمعته أي فلم يسمعه من وراء حجاب بل مع الرؤية والمشاهدة (حين تكلم به) عليه الصلاة والسلام (إنه) بكسر الهمزة وسقطت الكلمة لغير أبي ذر (حمد الله وأثنى عليه) من عطف العام على الخاص (ثم قال):
(إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس) من قبل أنفسهم بل بتحريم الله بوحي (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا) بغير حق (ولا يعضد) بفتح الياء وكسر الضاد أي لا يقطع (بها شجرًا فإن أحد ترخص لقتال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لأجل قتاله (فيها) مستدلاً بذلك (فقولوا له) ليس الأمر كذلك (إن الله أذن لرسوله) خموصية له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ولم يأذن لكم وإنما أذن لي) تعالى في القتال (فيها) ولأبي ذر له فيه أي في القتال (ساعة من نهار) وهي من طلوع الشمس إلى العصر فكانت مكة في حقه عليه الصلاة والسلام في تلك الساعة بمنزلة الحل (وقد عادت حرمتها اليوم) يوم الفتح لا في غيره (كحرمتها بالأمس) الذي قبل يوم الفتح (وليبلغ الشاهد) أي الحاضر (الغائب) (فقيل لأبي شريح) المذكور (ماذا قال لك عمرو)؟ أي ابن سعيد المذكور (قال) أبو شريح: (قال) عمرو: (أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح إن الحرم لا يعيذ) بالذال المعجمة أي لا يعصم (عاصيًا) من إقامة الحد عليه (ولا فارًا) بفاء وراء مشددة (بدم) أي مصاحبًا لدم ملتجئًا إلى المحرم بسبب خوفه من إقامة الحد عليه (ولا فارًا بخربة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي بسبب خربة وللأصيلي بخربة بضم الخاء ولغيره بفتحها وصوبه بعضهم كما قاله القاضي عياض.
(قال أبو عبد الله) البخاري (الخربة) أي (البلية) وهذا ثابت لأبي ذر وحده.
وهذا الحديث سبق في باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب من كتاب العلم.
٤٢٩٦ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهْوَ بِمَكَّةَ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ).
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد، ولأبي ذر ليث (عن يزيد بن أبي حبيب) الأزدي أبي رجاء عالم مصر (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة
المخففة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول عام الفتح وهو بمكة):
(إن الله ورسوله حرم بيع الخمر) بإفراد الفعل والأصل أن يقول: حرما لأنهما في التحريم واحد.