ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى آخر فقمت (فقلت: مَن يشهد لي؟ ثم جلست. قال: ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مثله فقمت فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما لك يا أبا قتادة)؟ فأخبرته بذلك (فقال رجل): هو أسود بن خزاعي الأسلمي كما قاله الواقدي (صدق) يا رسول الله (وسلبه عندي فأرضه) بقطع الهمزة (مني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي منه.
(فقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (لاها الله) بقطع الهمزة ووصلها وكلاهما مع إثبات ألف ها وحذفها فهي أربعة: النطق بلام بعدها التنبيه من غير ألف ولا همز، وبألف من غير همز، وبالألف وقطع الجلالة، وبحذف الألف وثبوت همزة. القطع، والمشهور في الرواية الأول والثالث أي لا والله (إذًا) بالتنوين وكسر الهمزة.
ومباحث هذا بتمامها سبقت في باب من لم يخمس الأسلاب. وقال في شرح المشكاة: هو كقولك لمن قال لك: الفعل كذا. فقلت: لا والله إذًا لا أفعل فالتقدير إذا (لا يعمد) كسر الميم أي لا يقصد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى أسد من أُسد الله) بضم الهمزة وسكون السين في الثاني أي إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة (يقاتل عن الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بسببهما (فيعطيك سلبه) أي سلب الذي
قتله بغير طيب نفسه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق) أبو بكر (فأعطه) بهمزة قطع.
قال الحافظ أبو عبد الله الحميدي الأندلسي: سمعت بعض أهل العلم يقول عند ذكر هذا الحديث: لو لم يكن من فضيلة الصديق -رضي الله عنه- إلا هذا فإنه يثاقب علمه وشدة صرامته وقوّة إنصافه وصحة توفيقه وصدق تحقيقه بادر إلى القول الحق فزجر وأفتى وحكم وأمضى، وأخبر في الشريعة عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحضرته وبين يديه بما صدّقه فيه وأجراه على قوله، وهذا من خصائصه الكبرى إلى ما لا يحصى من فضائله الأخرى.
قال أبو قتادة: (فأعطانيه) أي السلب (فابتعت) أي اشتريت (به مخرفًا) بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ساكنة وبعد الراء فاء أي بستانًا (في بني سلمة) بكسر اللام بطن من الأنصار (فإنه) بالفاء ولأبي ذر وأنه (لأوّل مال تأثلته) اقتنيته (في الإسلام).
وعند أحمد عن أنس أن هوازن جاءت يوم حنين فذكر القصة قال: فهزم الله المشركين فلم يضرب بسيف ولم يطعن برمح، وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذٍ "من قتل كافرًا فله سلبه" فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين راجلاً وأخذ أسلابهم. وقال أبو قتادة: إني قتلت رجلاً على حبل العاتق وعليه درع فأعجلت عنه فقام رجل فقال: أخذتها فأرضه منها. وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يسأل شيئًا إلا أعطاه أو سكت فسكت. فقال عمر: لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "صدق عمر" وإسناد هذا الحديث أخرج به مسلم بعض هذا الحديث، وكذلك أبو داود، ولكن الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة، فهو أتقن بما وقع فيها من غيره، ويمكن أن يجمع بأن يكون عمر أيضًا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر قاله في فتح الباري.
وحديث الباب مر في باب من لم يخمس الأسلاب من الخمس.
٤٣٢٢ - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَآخَرُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يَخْتِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فَأَسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فَرَفَعَ يَدَهُ لِيَضْرِبَنِي وَأَضْرِبُ يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا، ثُمَّ أَخَذَنِي فَضَمَّنِي ضَمًّا شَدِيدًا حَتَّى تَخَوَّفْتُ ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ وَدَفَعْتُهُ، ثُمَّ قَتَلْتُهُ، وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ، فَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ، فَلَهُ سَلَبُهُ»، فَقُمْتُ لأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي، فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: سِلَاحُ هَذَا الْقَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلَاّ، لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللَّهِ
يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَدَّاهُ إِلَيَّ فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا، فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلَامِ.
(وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله المؤلّف في الأحكام عن قتيبة عن الليث: (حدثني) بالإفراد (يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمر بن كثير بن أفلح) بضم العين مولى أبي أيوب (عن أبي محمد) نافع (مولى أبي قتادة أن أبا قتادة) -رضي الله عنه- (قال: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين وآخر من المشركين يختله) بخاء معجمة ساكنة وفوقية مكسورة أي يخدعه (من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب) بواو فهمزة قطع ولأبي ذر فأضرب (يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضمًّا شديدًا حتى تخوّفت) الموت فحذف المفعول (ثم تركـ) ـني من الترك كذا في الفرع كأصله مصححًا عليه مع حذف المفعول.
وقال في فتح الباري وغيره: برك كذا بالموحدة للأكثر ولبعضهم بالمثناة (فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم) أي غير