هريرة ﵁ قال: بعث النبي ﷺ خيلاً) أي فرسان خيل وهو من ألطف المجازات وأبدعها فهو على حذف مضاف، وفي الحديث يا خيل الله اركبي أي فرسان خيل الله (قبل نجد) أي جهتها (فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي ﷺ فقال):
(ما عندك يا ثمامة)؟ كذا في الفرع كأصله وغيرهما مما وقفت عليه من الأصول المعتمدة، والذي في الفتح وعمدة القاري ماذا بزيادة ذا وأعربه كالطيبي في شرح مشكاته أن تكون ما استفهامية وذا موصولاً وعندك صلته أي: ما الذي استقر عندك من الظن فيما أفعل بك أو ماذا بمعنى أي شيء مبتدأ وعندك خبره فظن خيرًا (فقال عندي خير يا محمد) لأنك لست ممن يظلم بل يحسن وينعم (إن تقتلني تقتل ذا دم) بالمهملة وتخفيف الميم أي أن تقتل من عليه دم مطلوب به وهو مستحق عليه فلا عيب عليك في قتله. وفعل الشرط إذا كرر في الجزاء دل على فخامة الأمر، وللكشميهني كما في الفتح ذم بالمعجمة وتشديد الميم أي ذا ذمة وضعفت لأن فيها قلبًا للمعنى لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله. وأجيب: بالحمل على أن معناه الحرمة في قوله (وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت فترك) بضم الفوقية أي فتركه النبي ﷺ (حتى كان الغد) وسقط لغير أبي ذر لفظ فترك (ثم قال ﵊ له: (ما عندك يا ثمامة فقال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه) ﵊ (حتى كان بعد الغد فقال) له: (ما عندك يا ثمامة فقال: عندي ما قلت لك).
اقتصر في اليوم الثاني على أحد الأمرين وحذفهما في اليوم الثالث، وفيه دليل على حذقه لأنه قدم أوّل يوم أشق الأمرين عليه وهو القتل لما رأى من غضبه ﷺ في اليوم الأوّل، فلما رأى أنه لم يقتله رجا أن ينعم عليه فاقتصر على قوله: إن تنعم، وفي اليوم الثالث اقتصر على الإجمال تفويضًا إلى جميل خلقه ولطفه صلوات الله وسلامه عليه وهذا أدعى للاستعطاف والعفو.
(فقال) ﵊: (أطلقوا ثمامة) فأطلقوه (فانطلق إلى نجل) بالجيم في الفرع أي ماء مستنقع وفي نسخة بالخاء المعجمة (قريب من المسجد فاغتسل) منه (ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دبنك أحب الدين إليّ والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إليّ وإن خيلك) أي فرسانك (أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله) ولأبي ذر النبي (ﷺ) بما حصل له من الخير العظيم بالإسلام ومحو ما كان قبله من الذنوب العظام (وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل): لم أعرف اسمه (صبوت) أي خرجت من دين إلى دين (قال: لا والله) ما صبوت وسقط لفظ الجلالة من اليونينية (ولكن أسلمت مع محمد رسول الله ﷺ). وهذا من أسلوب الحكيم كأنه قال: ما خرجت من الدين لأنكم لستم على دين فأخرج منه بل استحدثت دين الله وأسلمت مع رسول الله ﷺ رب العالمين.
فإن قلت: مع تقتضي استحداث المصاحبة لأن معنى المعية المصاحبة وهي مفاعلة وقد قيل الفعل بها فيجب الاشتراك فيه كذا نص عليه صاحب الكشاف في الصافات؟ أجيب: بأنه لا يبعد ذلك فلعله وافقه فيكون منه ﷺ استدامة ومنه واستحداثًا.
(ولا والله) فيه حذف أي والله لا أرجع إلى دينكم و (لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي ﷺ) زاد ابن هشام ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئًا فكتبوا إلى النبي ﷺ: إنك تأمر بصلة الرحم فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم.
وهذا الحديث قد مرّ في باب ربط الأسير في المسجد مختصرًا.
٤٣٧٣ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ.
٤٣٧٤ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ» فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَىَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ».
وبه