يمسح على خفّيه بالعراق حين توضأ فأنكرت ذلك عليه، فلما اجتمعنا عند عمر رضي الله عنه قال لي سعد سل أباك وذكر القصة. ورواه ابن خزيمة من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر نحوه، وفيه أن عمر رضي الله عنه قال: كنا ونحن مع نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأسًا، وإنما أنكر ابن عمر المسح على الخفين مع قدم صحبته وكثرة روايته لأنه خفي عليه ما اطّلع عليه غيره أو أنكر عليه مسحه في الحضر كما هو ظاهر رواية الموطأ من حديث نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه أن ابن عمر قدم الكوفة على سعد وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه فقال له سعد: سل أباك فذكر القصة. وأما في السفر فقد كان ابن عمر يعلمه.
ورواه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه الكبير، وابن أبي شيبة في مصنفه من رواية عاصم عن سالم عنه رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح على الخفّين بالماء في السفر، وقد تكاثرت الروايات بالطرق المتعددة عن الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا لا يفارقونه عليه الصلاة والسلام سفرًا ولا حضرًا، وقد صرح جمع من الحفاظ بتواتره وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين منهم العشرة المبشرة
وعن ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري، حدّثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين.
واتفق العلماء على جوازه خلافًا للخوارج كبتهم الله لأن القرآن لم يرد به، وللشيعة -قاتلهم الله تعالى- لأن عليًّا رضي الله عنه امتنع منه ويرد عليهم صحته عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتواتره على قول بعضهم. كما تقدم.
وأما ما ورد عن علي رضي الله عنه فلم يرد عنه بإسناد موصول يثبت بمثله كما قاله البيهقي، وقد قال الكرخي: أخاف الكفر على من لا يرى المسح على الخفين، وليس بمنسوخ لحديث المغيرة في غزوة تبوك وهي آخر غزواته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمائدة نزلت قبلها في غزوة المريسيع فأمن النسخ للمسح.
ويؤيده حديث جرير رضي الله عنه أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد المائدة.
ورواة الحديث السبعة ما بين مصري ومدني وفيه تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي، والتحديث بصيغة الجمع والإفراد والعنعنة، ولم يخرجه المؤلف في غير هذا الموضع، ولم يخرج مسلم في المسح إلا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهذا الحديث من أفراد المؤلف، وأخرجه النسائي في الطهارة أيضًا.
(وقال موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف وفتح الموحدة التابعي صاحب المغازي، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة مما وصله الإسماعيلي وغيره بهذا الإسناد. (أخبرني) بالإفراد (أبو النضر) التابعي (أن أبا سلمة) التابعي أيضًا (أخبره أن سعدًا) هو ابن أبي وقاص رضي الله عنه (حدّثه) أي حديث أبا سلمة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مسح على الخفّين (فقال عمر) ابن الخطاب رضي الله عنه (لعبد الله) ولده (نحوه) بالنصب لأنه مقول القول أي نحو قوله في الرواية السابقة: إذا حدّثك شيئًا سعد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا تسأل عنه غيره، فقول عمر رضي الله عنه في هذه الرواية المعلقة بمعنى الموصولة السابقة لا بلفظها، والفاء في فقال عطف على قوله حدث المحذوف عند المصنف كما قدّرناه الخ، وإنما حذفه لدلالة السياق عليه.
٢٠٣ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ بالفاء المفتوحة وضم الراء المشددة وفي آخره معجمة (الحراني) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وبعد الألف نون نسبة إلى حران مدينة قديمة بين دجلة والفرات (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري (عن يحيى بن سعيد) بالمثناة التحتية الأنصاري (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف (عن نافع بن جبير) أي ابن مطعم (عن عروة بن المغيرة) بن شعبة (عن أبيه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه).
(عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه خرج لحاجته) في غزوة تبوك عند صلاة الفجر كما في الموطأ ومسند الإمام أحمد وسنن أبي داود من طريق عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة (فاتبعه المغيرة) بتشديد المثناة الفوقية (بإداوة) بكسر الهمزة أي مطهرة (فيها ماء فصبَّ) المغيرة (عليه) زاده الله شرفًا لديه (حين فرغ من حاجته