للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحد لما شرب الخمر وهو بدري وإنما لم يعاقب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاطبًا ولا هجره لأنه قبل عذره في أنه إنما كاتب قريشًا خشية على أهله وولده بخلاف تخلف كعب وصاحبيه فإنهم لم يكن لهم عذر أصلاً.

قال كعب: (فمضيت حين ذكروهما لي) أي الرجلين (ونهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه) بالرفع أي خصوصًا الثلاثة كقولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة قال أبو سعيد السيرافي: إنه مفعول فعل محذوف أي أريد الثلاثة أي أخص الثلاثة، وخالفه الجمهور وقالوا: أي منادى والثلاثة صفة له وإنما أوجبوا ذلك لأنه في الأصل كان كذلك فنقل إلى الاختصاص وكل ما نقل من باب إلى باب فإعرابه بحسب أصله كأفعال التعجب (فاجتتبنا الناس) بفتح الموحدة (وتغيروا لنا حتى تنكرت) أي تغيرت (في نفسي الأرض فما هي) الأرض (التي أعرف) لتوحشها عليّ، وهذا يجده الحزين والمهموم في كل شيء حتى يجده في نفسه. قال السهيلي: وإنما اشتدّ الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا على ذلك ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق:

نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا

فكان تخلفهم في هذه الغزوة كبيرة لأنه كالنكث لبيعتهم انتهى. وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلبثنا على ذلك خمسين ليلة) استنبط منه جواز الهجران أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق ثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيًا (فأما صاحباي) مرارة وهلال (فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم) أي أقواهم (وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف) أي أدور (في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا) إنما لم يجزم بتحريك شفتيه عليه الصلاة والسلام بالسلام لأنه لم يكن يديم النظر إليه من الخجل (ثم أصلي قريبًا منه فأسارقه النظر) بالسين المهملة والقاف أي أنظر إليه في خفية (فإذا أقبلت على صلاتي أقبل) عليه الصلاة والسلام (إليّ وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس) بفتح الجيم وسكون الفاء أي من إعراضهم (مشيت حتى تسوّرت) أي علوت (جدار حائط أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- أي بستانه (وهو ابن عمي) لأنه من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخي أبيه الأقرب (وأحب الناس إليّ

فسلمت عليه فوالله ما ردّ عليّ السلام) لعموم النهي عن كلامهم (فقلت: يا أبا قتادة أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أسألك (بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته) بفتح المعجمة فسألته بالله كذلك (فسكت فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم) وليس ذلك تكليمًا لكعب لأنه لم ينو به ذلك لأنه منهي عنه بل أظهر اعتقاده فلو حلف لا يكلم زيدًا فسأله عن شيء فقال: الله أعلم ولم يرد جوابه ولا إسماعه لا يحنث (ففاضت عيناي وتوليت حتى تسوّرت الجدار) للخروج من الحائط.

(قال: فبينا) بغير ميم (أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي) بفتح النون والموحدة وكسر الطاء المهملة (من أنباط أهل الشام) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة فلاح وكان نصرانيًا ولم يسم (ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له) إليّ يعني ولا يتكلمون بقولهم مثلاً هذا كعب مبالغة في هجره والإعراض عنه (حتى إذا جاءني دفع إليّ كتابًا من ملك غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة جبلة بن الأيهم أو هو الحارث بن أبي شمر وعند ابن مردويه فكتب إليّ كتابًا في سرقة من حرير (فإذا فيه: أمّا بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك

<<  <  ج: ص:  >  >>