للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك، فنزلت قال فقلت له من دبرها في قبلها. قال: لا إلا في دبرها، لكن قال الحافظ ابن كثير: لا يصح، وقال في الفتح: وتابع نافعًا على روايته زيد بن أسلم عن ابن عمر عند النسائي بإسناد صحيح، وتكلم الأزدي في بعض رواته وردّ عليه ابن عبد البر وأصاب. قال: ورواية ابن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه فغير نكير أن يرويها عنه زيد بن أسلم. قال ابن أبي حاتم الرازي: لو كان هذا عند زيد بن أسلم عن ابن عمر لما أولع الناس بنافع، قال ابن كثير: وهذا تعليل منه لهذا الحديث، وقد رواه عن ابن عمر أيضًا ابنه عبد الله كما عند النسائي، وسالم ابنه وسعيد بن يسار كما عند النسائي وابن جرير، ولم يتفرد ابن عمر بذلك بل رواه أيضًا أبو سعيد الخدري كما عند ابن جرير والطحاوي في مشكله بلفظ: إن رجلًا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس عليه فأنزل الله الآية.

وقد نقل إباحة ذلك عن جماعة من السلف لهذه الأحاديث وظاهر الآية ونسبه ابن شعبان لكثير من الصحابة والتابعين ولإمام الأئمة مالك في روايات كثيرة قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن له المشهور عن مالك إباحته وأصحابه ينفون هذه المقالة عنه لقبحها وشناعتها وهي عنه أشهر من أن تندفع بنفيهم عنه انتهى.

لكن روى الخطيب عن مالك من طريق إسرائيل بن روح وقال: سألت مالكًا عن ذلك فقال: ما أنتم قوم عرب هل يكون الحرث إلا موضع الزرع لا تعدوا الفرج. قلت: يا أبا عبد الله إنهم يقولون إنك تقول ذلك. قال: يكذبون عليّ يكذبون عليّ، فالظاهر أن أصحابه المتأخرين اعتمدوا على هذه القصة، ولعل مالكًا رجع عن قوله الأول أو كان يرى العمل على خلاف حديث ابن عمر فلم يعمل به، وإن كانت الرواية فيه صحيحة على قاعدته، ولذا قال بعض المالكية: إن ناقل إباحته عن مالك كاذب مفتر، ونقل عن ابن وهب أنه قال: سألت مالكًا فقلت حكوا عنك أنك تراه. قال: معاذ الله وتلا: ﴿نساؤكم حرث لكم﴾ قال: ولا يكون الحرث إلا موضع الزرع وإنما نسب هذا الكتاب السر هو كتاب مجهول لا يعتمد عليه. قال القرطبي ومالك أجلّ من أن يكون له كتاب سر، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه وأحمد والجمهور التحريم لورود النهي عن فعله وتعاطيه، ففي حديث خزيمة بن ثابت عند أحمد نهى رسول الله أن يأتي الرجل امرأته في دبرها. وحديث ابن عباس عند الترمذي مرفوعًا: لا

ينظر الله إلى رجل أتى امرأته في دبرها في أحاديث كثيرة يطول ذكرها وحملوا ما ورد عن ابن عمر على أنه يأتيها في قبلها من دبرها. وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن أبي النضر أنه قال لنافع: إنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن. قال: كذبوا عليّ، ولكن سأحدثك كيف كان الأمر إن ابن عمر عرض المصحف يومًا وأنا عنده حتى بلغ: ﴿نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم﴾ [البقرة: ٢٢٣] فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا. قال: إنّا كنا معشر قريش نحني النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله ﴿نساؤكم حرث لكم﴾.

وقد روى أبو جعفر الفريابي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن ابن عمر مرفوعًا: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويقول ادخلوا النار مع الداخلين. الفاعل والمفعول به وناكح يده وناكح البهيمة وناكح المرأة في دبرها والجامع بين المرأة وابنتها والزاني بحليلة جاره والمؤذي جاره حتى يلعنه".

وأما ما حكاه الطحاوي عن محمد بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن النبي في تحليله ولا تحريمه شيء، والقياس أنه حلال فقال أبو نصر بن الصباغ: كان يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد كذب يعني ابن عبد الحكم على الشافعي في ذلك، فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>