قال: وقد جاء بعد هذا وقال: ندعها
يا ابن أخي لا أغير شيئًا منه من مكانه انتهى. والاستفهام إنكاري وكأن ابن الزبير ظن أن الذي ينسخ حكمه لا يكتب.
(قال) عثمان رضي الله تعالى عنه مجيبًا له عن استشكاله (يا ابن أخي) قاله على عادة العرب أو نظرًا إلى أخوة الإيمان (لا أغير شيئًا منه من مكانه) إذ هو توقيفي أي فكما وجدتها مثبتة في المصحف بعدها أثبتها حيث وجدتها، وفيه أن ترتيب الآي توقيفي.
٤٥٣١ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قَالَ عَطَاءٌ: إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ} قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَا سُكْنَى لَهَا، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهَذَا. وَعَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا فِي أَهْلِهَا فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} نَحْوَهُ. [الحديث ٤٥٣١ - أطرافه في: ٥٣٤٤].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (إسحاق) هو ابن راهويه قال: (حدّثنا روح) بفتح الراء ابن عبادة بضم العين وتخفيف الموحدة قال: (حدّثنا شبل) بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة آخره لام ابن عباد بفتح العين وتشديد الموحدة (عن ابن أبي نجيح) عبد الله المكي (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} قال: كانت هذه العدة) أي المذكورة في قوله تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} (تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله) تعالى: ({والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم}) بنصب وصية في قراءة أبي عمرو وابن عامر وحفص وحمزة أي والذين يتوفون منكم يوصون وصية أو ليوصوا وصية أو كتب الله عليهم وصية، أو ألزم الذين يتوفون وصية وبالرفع قرأ الباقون على تقدير ووصية الذين يتوفون أو حكمهم وصية ({متاعًا إلى الحول}) نصب بلفظ وصية لأنها مصدر منوّن ولا يضرّ تأنيثها بالتاء لبنائها عليه والأصل وصية بمتاع ثم حذف الجر اتساعًا فنصب ما بعده وهذا إذا لم تجعل الوصية منصوبة على المصدر لأن المصدر المؤكد لا يعمل وإنما يجيء ذلك حال رفعها
أو نصبها على المفعول ({غير إخراج}) نعت لمتاعًا أو بدل منه أو حال من الزوجات أي غير مخرجات أو حال من الموصين أي غير مخرجين ({فإن خرجن}) من منزل الأزواج ({فلا جناح عليكم}) [البقرة: ٢٤٠] أيها الأولياء ({فيما فعلن في أنفسهن من معروف}) [البقرة: ٢٤٠] مما لم ينكره الشرع، وهذا يدل على أنه لم يكن يجب عليها ملازمة مسكن الزوج والإحداد عليه وإنما كانت مخيرة بين الملازمة وأخذ النفقة وبين الخروج وتركها (قال: جعل الله لها) أي للمعتدة المذكورة في الآية الأولى (تمام السنة سبعة أشهر) ولأبي ذر: بسبعة أشهر (وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وهو قول الله تعالى: {غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم} فالعدة) وهي أربعة الأشهر والعشرة (كما هي واجب عليها) قال شبل بن عباد (زعم) ابن أبي نجيح (ذلك) المتقدم (عن مجاهد) وهذا يدل على أن مجاهدًا لا يرى نسخ هذه الآية ثم عطف المؤلّف على قوله عن مجاهد قوله.
(وقال: عطاء) هو ابن أبي رباح. قال في الفتح: وهو من رواية ابن أبي نجيح عن عطاء، ووهم من زعم أنه معلق، وتعقبه العيني بأنه لو كان عطفًا لقال وعن عطاء فظاهره التعليق (قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو) أي الناسخ (قول الله تعالى {غير إخراج} قال عطاء) مفسرًا لما رواه عن ابن عباس (إن شاءت اعتدت عند أهله) ولأبي ذر عن الكشميهني عند أهلها (وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن}) لدلالته على التخيير.
(قال عطاء: ثم جاء الميراث) في قوله تعالى: {ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن} [النساء: ١٢] (فنسخ السكنى) وتركت الوصية (فتعتدّ حيث شاءت ولا سكنى لها).
قال ابن كثير: فهذا القول الذي عوّل عليه مجاهد وعطاء من أن هذه الآية لم تدل على وجوب الاعتداد سنة كما زعمه الجمهور حتى يكون ذلك منسوخًا بأربعة الأشهر والعشر، وإنما دلت على أن ذلك كان من باب الوصية بالزوجات أن يمكّن من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولًا كاملًا إن اخترن ذلك ولهذا قال: {وصية لأزواجهم} أي يوصيكم الله بهن وصية كقوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: ١١] الآية.
(وعن محمد بن يوسف) الفريابي شيخ المؤلّف وهو معطوف على