({القيم}) قال أبو عبيدة في مجازه (هو القائم) أي المستقيم وزاد أبو ذر ذلك الدين أي تحريم الأشهر المحرم هو الدين المستقيم دين إبراهيم وتخصيص بعض الزمان بالحرمة كليلة القدر والجمعة والعيد بالفضل دون بعض أن النفوس مجبولة على الشر يشق عليها الامتناع عن الشر بالكلية فمنعت عنه في بعض الأوقات لحرمته وقد كانوا يعظمون هذه الأشهر حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم يقتله فأكد الله تعالى ذلك بأن منع الظلم فيها بقوله {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} أي لا تحلوا حرامها ولذا قيل لا يحل القتال فيها ولا في الحرم، والجمهور على أن حرمة المقاتلة فيها منسوخة، ويؤيده ما روي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاصر الطائف في شهر حرام وهو ذو القعدة كما ثبت في الصحيحين أنه حاصرها أربعين يومًا وسقط باب قوله لغير أبي ذر.
وبه قال:(حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) بتشديد الميم ابن درهم الأزدي الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن ابن أبي بكرة) عبد الرحمن (عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بن الحارث ولأبي ذر عن أبيه بدل عن أبي بكرة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) في خطبته في حجة الوداع بمنى في أوسط أيام التشريق:
أيها الناس (إن الزمان قد استدار) استدارة (كهيئته) أي مثل حالته (يوم خلق الله السماوات والأرض) أي عالج الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء وهو تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر وذلك أنهم كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرًا آخر ورفضوا خصوص الأشهر، واعتبروا مجرد العدد، وقيل: كانوا يستحلون القتال في المحرم لطول مدة التحريم بتوالي ثلاثة أشهر محرمة ثم يحرمون صفر مكانه فكأنهم يقترضونه ثم يوفونه، وقيل كانوا يحلون المحرم مع صفر من عام ويسمونهما صفرين ثم يحرمونها من عام قابل ويسمونها محرمين، وقيل بل كانوا ربما احتاجوا إلى صفر إيضافًا حلوه وجعلوا مكانه ربيعًا ثم يدور كذلك التحريم والتحليل بالتأخير على السنة كلها إلى أن جاء الإسلام فوافق حجة الوداع رجوع التحريم إلى المحرم الحقيقي وصار الحج مختصًّا بوقت معين، واستقام حساب السنة ورجع إلى الأصل الموضوع يوم خلق السموات والأرض.
(السنة) العربية الهلالية (اثنا عشر شهرًا) على ما توارثوه من إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام وذلك بعدد البروج التي تدور الشمس فيها السنة الشمسية. فإذا دار القمر فيها
كلها كملت دورته السنوية وإنما جعل الله تعالى الاعتبار بدور القمر لأن ظهوره في السماء لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب بل هو أمر ظاهر مشاهد بالبصر بخلاف سير الشمس فإنه تحتاج معرفته إلى حساب فلم يحوجنا إلى ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام "إنّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا" الحديث.
واعلم أن السنة والحول والعام مترادفة فمعناها واحد كما هو ظاهر كلام كثير من اللغويين وهي مشتملة على ثلاثمائة وأربعة وخمسين يومًا وخمس وسدس يوم كذا ذره صاحب المهذّب من الشافعية في الطلاق قالوا: لأن شهرًا منها ثلاثون وشهرًا تسع وعشرون إلا ذا الحجة فإنه تسع وعشرون وخمس يوم وسدس يوم، واستشكله بعضهم وقال: لا أدري ما وجه زيادة الخمس والسدس: وصحح بعضهم أن السنة الهلالية ثلاثمائة وخمسة وخمسون يومًا، وبه جزم ابن دحية في كتاب التنوير وذلك مقدار قطع البروج الاثني عشر التي ذكرها الله تعالى في كتابه، وفرق بعضهم بين السنة والعام فيكونان متباينين فقال: إن العام من أول المحرم إلى آخر ذي الحجة والسنة من كل يوم إلى مثله من القابل نقله ابن الخباز في شرح اللمع له، وسمي العام عامًّا لأن الشمس عامت فيه حتى قطعت جملة الفلك لأنها تقطع الفلك كله في السنة مرة وتقطع في كل شهر برجًا من البروج الاثني عشر وإنما علق الله تعالى على الشمس أحكام اليوم من الصلاة والصيام حيث كان ذلك