اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذه بثوبه ومخاطبته له في مثل ذلك
المقام حتى التفت إليه متبسمًا كما في حديث ابن عباس في هذا الباب (فقال رسول الله ﷺ):
(إنما خيّرني الله) بين الاستغفار وعدمه (فقال ﴿استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة﴾ وسأزيده على السبعين) وعند عبد بن حميد من طريق قتادة فوالله لأزيدن على السبعين، وسأل الزمخشري فقال فإن قلت: كيف خفي على رسول الله يعني أن السبعين مثل في التكثير وهو أفصح العرب وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته. والذي يفهم من ذكر هذا العدد كثرة الاستغفار كيف وقد تلاه بقوله: ﴿ذلك بأنهم كفروا﴾ الآية، فبين الصارف عن المغفرة لهم حتى قال: خيرني وسأزيد على السبعين. وأجاب: بأنه لم يخف عليه ذلك ولكنه خيل بما قال إظهارًا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه كقول إبراهيم: ﴿ومن عصاني فإنك غفور رحيم﴾ [إبراهيم: ٣٦] وفي إظهار النبي الرحمة والرأفة لطف لأمته ودعاء لهم إلى ترحم بعضهم على بعض اهـ.
قال في فتوح الغيب: قوله خيل أي صوّر في خياله أو في خيال السامع ظاهر اللفظ وهو العدد المخصوص دون المعنى الخفي المراد وهو التكثير كما أن إبراهيم ﵊ ما عدّ عصيانه في قوله: ﴿ومن عصاني﴾ عصيان الله المراد منه عبادة الأصنام قال: وهو من أسلوب التورية وهو أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد فيراد البعيد منهما اهـ.
وتعقب بعضهم ذلك بأنه يجب ﵊ إظهار ما علم من الله في أمر الكفر وما يترتب عليه من العقاب للزجر وبأنه يستلزم جواز الاستغفار للكفار مع العلم بأنه لا يجوز، ولذلك قيل ما كان يعرف كفره وعند عبد الرزاق عن معمر والطبري من طريق سعيد كلاهما عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبيّ إلى النبي ﷺ فلما دخل عليه قال: أهلكك حب يهود، فقال: يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتوبخني ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه، فأجابه. قال الحافظ ابن حجر: وهذا مرسل مع ثقة رجاله ويعضده ما أخرجه الطبراني من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما مرض عبد الله بن أنس جاءه النبي ﷺ فكلمه فقال: قد فهمت ما تقول فامتن عليّ فكفّني في قميصك وصلّ عليّ ففعل قال: وكان عبد الله بن أبيّ أراد بذلك دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته فأظهر الرغبة في صلاة النبي ﷺ عليه ووقعت إجابته إلى سؤاله على حسب ما أظهر من حاله فالنهي عن الاستغفار لمن مات مشركًا لا يستلزم النهي عن الاستغفار لمن مات مظهرًا للإسلام.
(قال) أي عمر جريًا على ما يعلمه من أحواله (إنه منافق قال: فصلى عليه رسول الله ﷺ إجراء له على ظاهر حكم الإسلام واستئلافًا لقومه لا سيما ولم يقع نهي صريح عن الصلاة على المنافقين فاستعمل أحسن الأمرين في السياسة حتى كشف الله تعالى عنه الغطاء ونهي فانتهى (فأنزل الله تعالى: ﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره﴾) زاد مسدد من حديث ابن عمر فترك الصلاة عليهم وابن أبي حاتم ولا قام على قبره وعند الطبري من حديث قتادة أنه ﷺ
قال: وما يغني عنه قميصي من الله وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه، وقد روي أن ألفًا من الخزرج أسلموا لما رأوه يستشفي بثوبه ويتوقع اندفاع العذاب عنه به.
وبه قال:(حدّثنا يحيى بن بكير) هو ابن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي (وقال غيره): هو أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأول ابن عمر بن الخطاب