سافره إلا ضحى وكان يبدأ بالمسجد فيركع) فيه (ركعتين) قبل أن يدخل منزله (ونهى النبي ﷺ) أي بعد أن اعترف بين يديه أنه تخلف من غير عذر وقوله ﵊ له قم حتى يقضي الله فيك (عن كلامي وكلام صاحبي) هلال ومرارة لكونهما تخلفا من غير عذر واعترفا كذلك (ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا) وهم الذين اعتذروا إليه وقبل منهم علانيتهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى وكانوا بضعة وثمانين رجلاً (فاجتنب الناس كلامنا) أيها الثلاثة قال كعب (فلبثت كذلك حتى طال عليّ الأمر وما من شيء أهم إليّ من أن أموت فلا يصلّي عليّ النبي ﷺ أو يموت رسول الله ﷺ فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي عليّ) بكسر لام يصلي، وفي نسخة يصلى بفتحها ولأبي ذر عن الكشميهني ولا يسلم عليّ بدل يصلي، وفي نسخة حكاها القاضي عياض عن بعض الرواة ولا يسلمني والمعروف أن فعل السلام إنما يتعدى بعلى وقد يكون اتباعًا ليكلمني.
قال القاضي: أو يرجع إلى قول من فسر السلام بأن معناه إنك مسلم مني. قال في المصابيح: وسقطت ولا يسلمني للأصيلي كذا قال فليحرر (فأنزل الله)﷿(توبتنا على نبيه ﷺ حين بقي الثلث الآخر من الليل) بعد مضي خمسين ليلة من النهي عن كلامهم (ورسول الله ﷺ عند أم سلمة) رضي الله تعالى عنها والواو للحال، (وكانت أم سلمة محسنة في شأني معنية) بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر النون وتشديد التحتية أي ذات اعتناء ولأبي ذر عن الكشميهني معينة بضم الميم وكسر العين فتحتية ساكنة فنون مفتوحة أي ذات إعانة (في أمري) قال العيني: وليست بمشتقة من العون كما قاله بعضهم يريد الحافظ ابن حجر، وقد رأيت في هامش الفرع مما عزاه لليونينية ورأيته فيها عن عياض معنية يعني بفتح الميم وسكون العين كذا عند الأصيلي ولغيره معينة بضم الميم أي وكسر العين من العون قال والأوّل أليق بالحديث.
(فقال رسول الله ﷺ: يا أم سلمة تيب على كعب، قالت: أفلا) بهمزة الاستفهام (أرسل إليه فأبشره قال: إذًا يحطمكم الناس) بفتح أوّله وكسر ثالثه منصوب بإذا من الحطم بالحاء والطاء المهملتين وهو الدرس وللمستملي والكشميهني يخطفكم بفتح ثالثه والنصب من الخطف بالخاء المعجمة والفاء وهو مجاز عن الازدحام (فيمنعونكم النوم) بإثبات النون بعد الواو وللأصيلي فيمنعوكم بحذفها (سائر الليلة) أي باقيها (حتى إذا صلى رسول الله ﷺ صلاة الفجر آذن) بمد الهمزة أي أعلم (بتوبة الله علينا وكان)﵊(إذا استبشر استنار وجهه حتى كأنه قطعة من القمر) شبه به دون الشمس لأنه يملأ الأرض بنوره ويؤنس كل من شاهده ومجمع النور من غير أذى ويتمكن من النظر إليه بخلاف الشمس فإنها تكل البصر فلا يتمكن البصر من رؤيتها بالقطعة مع كثرة ما ورد في كثير من كلام البلغاء من التشبيه بالقمر من غير تقييد، وقد كان كعب قائل هذا من شعراء الصحابة فلا بد في التقييد بذلك من حكمة وما قيل في ذلك من أنه احتراز من السواد الذي في القمر ليس بقوي لأن المراد بتشبيهه ما في القمر من الضياء والاستنارة وهو في تمامه لا يكون فيها أقل مما في القطعة المجردة فكأن التشبيه وقع على بعض
الوجه فناسب أن يشبه ببعض القمر.
(وكنا أيها الثلاثة) بلفظ النداء ومعناه الاختصاص (الذين خلفوا) ولأبي ذر خلفنا (عن الأمر الذي قبل) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول كالسابق (من هؤلاء الذين اعتذروا) ووكّل سرائرهم إلى الله ﷿ وليس المراد التخلف عن الغزو بل التخلف عن حكم أمثالهم من المتخلفين عن الغزو الذين اعتذروا وقبلوا (حين أنزل الله)﷿(لنا التوبة، فلما ذكر) بالضم (الذين كذبوا رسول الله ﷺ من المتخلفين)