لأن عكلاً من عدنان وعرينة من قحطان، والشك من حماد. وقال الكرماني: ترديد من أنس، وقال الداودي شك من الراوي، وللمؤلف في الجهاد عن وهب عن أيوب أن رهطًا من عكل ولم يشك، وله في الزكاة عن شعبة عن قتادة عن أنس أن أناسًا من عرينة ولم يشك أيضًا، وكذا لمسلم، وفي المغازي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن ناسًا من عكل وعرينة بالواو العاطفة. قال الحافظ ابن حجر: وهو الصواب. ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل.
فإن قلت: هذا مخالف لا عند المؤلف في الجهاد والدّيات أن رهطًا من عكل ثمانية. أجيب: باحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين، وإنما كان من أتباعهم، وقد كان قدومهم على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما قاله ابن إسحاق بعد قرد، وكانت في جمادى الأولى سنة ست، وذكرها المؤلف بعد الحديبية وكانت في ذي القعدة منها. وذكر الواقدي أنها كانت في شوّال منها، وتبعه ابن حبان وابن سعد وغيرهما، وللمؤلف في المحاربين أنهم كانوا في الصفة قبل أن يطلبوا الخروج إلى الإبل.
(فاجتووا المدينة) بالجيم وواوين أي أصابهم الجوى وهو داء الجوف إذا تطاول أو كرهوا الإقامة بها لما فيها من الوخم، أو لم يوافقهم طعامها. وللمؤلف من رواية سعيد عن قتادة في هذه القصة فقالوا: يا نبي الله إنّا كنّا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، وله في الطب من رواية ثابت عن أنس أن ناسًا كان بهم سقم قالوا يا رسول الله آوِنا وأطعمنا، فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة والظاهر أنهم قدموا سقامًا من الهزال الشديد والجهد من الجوع مصفرة ألوانهم، فلما صحوا من السقم أصابهم من حمى المدينة فكرهوا الإقامة بها. ولمسلم عن أنس وقع بالمدينة الموم بضم الميم وسكون الواو وهو ورم الصدر فعظمت بطونهم، فقالوا: يا رسول الله إن المدينة وخمة (فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلقاح) بلام مكسورة جمع لقوح وهي الناقة الحلوب كقلوص وقلاص أي أمرهم أن يلقحوا بها. وعند المصنف في رواية همام عن قتادة فأمرهم أن يلحقوا براعيه، وعند أبي عوانة أنهم بدؤوا بطلب الخروج إلى اللقاح فقالوا: يا رسول الله قد وقع هذا الوجع فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل.
وللمؤلف من رواية وهيب أنهم قالوا: يا رسول الله أبغنا رسلاً أي اطلب لنا لبنًا. قال:"ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود" وعند ابن سعد أن عدد لقاحه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان خمس عشرة، وعند أبي عوانة كانت ترعى بذي الجدر بالجيم وسكون الدال المهملة ناحية قباء قريبًا من عين على ستة أميال من المدينة.
(و) أمرهم عليه الصلاة والسلام (أن يشربوا) أي بالشرب (من أبوالها وألبانها فانطلقوا) فشربوا منهما (فلما صحوا) من ذلك الداء وسمنوا ورجعت إليهم ألوانهم (قتلوا راعي النبي) وللأصيلي وابن عساكر راعي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يسارًا النوبي، وذلك أنهم لما عدوا على اللقاح أدركهم ومعه نفر فقاتلهم فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، كذا في طبقات ابن سعد. (واستاقوا) من الاستياق أي ساقوا سوقًا عنيفًا (النعم) بفتح النون والعين واحد الأنعام وهي الأموال الراعية وأكثر ما يقع على الإبل، وفي بعض النسخ واستاقوا إبلهم (فجاء الخبر) عنهم (في أول النهار فبعث) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في آثارهم) أي وراءهم الطلب وهم سرية وكانوا عشرين وأميرهم كرز بن جابر، وعند ابن عقبة سعيد بن زيد فأدركوا في ذلك اليوم فأخذوا (فلما ارتفع النهار جيء بهم) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم أسارى (فقطع) عليه الصلاة والسلام (أيديهم) جمع يد فأما أن يراد بها أقل الجمع وهو اثنان كما هو عند بعضهم لأن لكلٍّ منهم يدين، وأما أن يراد التوزيع عليهم بأن ينقطع من كل واحد منهم يدًا واحدة والجمع في مقابلة الجمع يفيد التوزيع، وإسناد الفعل فيه
إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجاز، ويشهد له ما ثبت في رواية الاصيلي وأبي الوقت والحموي والمستملي والسرخسي، فأمر بقطع، وفي فرع اليونينية فأمر فقطع أي أمر