للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن حقيقة شأنهن ليعلم براءتي عن تلك التهمة وأراد بذلك حسم مادّة الفساد عنه لئلا ينحط قدره عند الملك ولعل معظم غرضه أن لا يقع خلل في الدعوة وإظهار النبوّة وقال فاسأله ما بال النسوة ولم يقل فاسأله أن يفتش عن حالهن تهييجًا له على البحث وتحقيق الحال ولم يتعرض لامرأة العزيز مع ما صنعت به كرمًا ومراعاة للأدب وعبر بما التي يسأل بها عن حقيقة الشيء ظاهرًا (﴿إن ربي﴾) العالم بخفيات الأمور (﴿بكيدهن عليم﴾) حين قلن أطع مولاتك أو أن كل واحدة منهن طمعت فيه فلما لم تجد مطلوبها منه طعنت فيه ونسبته إلى القبيح، فرجع الرسول من عند يوسف إلى الملك

فدعا النسوة وامرأة العزيز فلما حضرن (﴿قال﴾) لهن (﴿ما خطبكن﴾) أي ما شأنكن (﴿إذ روادتن يوسف عن نفسه﴾) هل وجدتن منه ميلاً إليكن فنزّهنه، متعجبات من كمال عفته حيث (﴿قلن حاش لله﴾) [يوسف: ٥٠، ٥١] (وحاش) بغير ألف بعد الشين (وحاشا) بها لفظًا (تنزيه) فتكون اسمًا ويدل له قراءة بعضهم حاشا لله بالتنوين (واستثناء) وذهب سيبويه وأكثر البصريين إلى أنها حرف بمنزلة إلا لكنها تجر المستثنى.

وقوله: (﴿حصحص﴾): أي (وضح) الحق بانكشاف ما يغمره وهو معنى قول بعض المفسرين، وقيل ظهر من حص شعره أي استأصل قطعه بحيث ظهرت بشرته وهذا إنما قالته امرأة العزيز لما علمت أن هذه المناظرات والتفحصات إنما وقعت بسببها، وقيل: إن النسوة أقبلن عليها يقررنها وقيل خافت أن يشهدن عليها فاعترفت وهذه شهادة جازمة لما راعى جانبها ولم يذكرها البتة فعرفت أنه ترك ذكرها تعظيمًا لها فكافأته على ذلك فكشفت الغطاء واعترفت أن الذنب كله من جانبها وأنه كان مبرأ عن الكل وسقط باب قوله لغير أبي ذر.

٤٦٩٤ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ وَنَحْنُ أَحَقُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لَهُ: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠].

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (سعيد بن تليد) بفتح الفوقية وكسر اللام وبعد التحتية الساكنة دال مهملة هو سعيد بكسر العين ابن عيسى بن تليد المصري قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن القاسم) المصري العتقي صاحب الإمام مالك (عن بكر بن مضر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ومضر بضم الميم وفتح المعجمة ابن محمد المصري (عن عمرو بن الحارث) بفتح العين ابن يعقوب بن عبد الله مولى قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري المصري الفقيه المقري أحد الأئمة الأعلام (عن يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب) المخزومي أحد الأعلام (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة ) أنه (قال: قال رسول الله ):

(يرحم الله لوطاً) هو ابن أخي إبراهيم الخليل وكان ممن آمن وهاجر معه إلى مصر (لقد كان يأوي إلى ركن شديد) يشير إلى قوله تعالى: ﴿قال لو أن لي بكم قوّة أو آوي إلى ركن شديد﴾ [هود: ٨٠] (ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف) ولأبي ذر: ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف بضم اللام وسكون الموحدة، وكان قد لبث سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات كما قيل (لأجبت الداعي) لأسرعت إلى الإجابة إلى الخروج من السجن.

قال محيي السنّة إنه وصف يوسف بالأناة والصبر حيث لم يبادر إلى الخروج حين جاءه رسول الملك فعل المذنب حين يعفى عنه مع طول لبثه في السجن، بل قال ﴿ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن﴾ [يوسف: ٥٠] أراد أن يقيم الحجة في حبسهم إياه ظلمًا فقال على سبيل التواضع لا أنه صلوات الله وسلامه عليه كان في الأمر منه مبادرة وعجلة لو كان مكان يوسف والتواضع لا يصغر كبيرًا ولا يضع رفيعًا ولا يبطل لذي حق حقًّا لكنه يوجب لصاحبه فضلاً ويكسبه جلالاً وقدرًا (ونحن أحق من إبراهيم) في سورة البقرة وغيرها ونحن أحق بالشك من إبراهيم يعني لو كان الشك متطرقًا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به وقد علمتم أني لم أشك فإبراهيم لم يشك (﴿إذ قال له﴾) ربه جل وعلا (﴿أولم تؤمن﴾) بعد قوله: ﴿رب أرني كيف تحيي الموتى﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>