بناء على عدم القول بنجاسته، وهو مذهب أبي حنيفة لأنه لا تحله الحياة عنده، ومذهب الشافعي أنه نجس لأنه تحلّه الحياة
قال تعالى: ﴿قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة﴾ [يس: ٧٨، ٧٩]. وعند مالك أنه يطهر إذا ذكي كغيره مما لم يؤكل إذا ذكي فإنه يطهر. (وقال) محمد (بن سيرين وإبراهيم) النخعي (لا بأس بتجارة العاج) ناب الفيل أو عظمه مطلقًا، وأسقط السرخسي ذكر إبراهيم النخعي كأكثر الرواة عن الفربري، ثم إن أثر ابن سيرين هذا وصله عبد الرزاق بلفظ: أنه كان لا يرى بالتجارة في العاج بأسًا، وهو يدل على أنه كان يراه طاهرًا، لأنه كان لا يجيز بيع النجس ولا المتنجس الذي لا يمكن تطهيره كما يدل له قصته المشهورة في الزيت، وإيراد المؤلف لهذا كله يدل على أن عنده أن الماء قليلاً كان أو كثيرًا لا ينجس إلا بالتغير كما هو مذهب مالك.
٢٣٥ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: «أَلْقُوهَا، وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ، وَكُلُوا سَمْنَكُمْ».
[الحديث ٢٣٥ - أطرافه في: ٢٣٦، ٥٥٣٨، ٥٥٣٩، ٥٥٤٠].
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) زاد الأصيلي الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) زاد ابن عساكر ابن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس) ﵄ (عن ميمونة) أم المؤمنين ﵂:
(أن رسول الله ﷺ سئل) بضم السين مبنيًّا للمفعول، ويحتمل أن يكون السائل ميمونة (عن فأرة) بهمزة ساكنة (سقطت في سمن) أي جامد كما عند عبد الرحمن بن مهدي وأبي داود الطيالسي والنسائي فماتت كما عند المؤلف في الذبائح (فقال) ﵊: (ألقوها) أي ارموا الفأرة (وما حولها) من السمن (فاطرحوه) الجميع (وكلوا سمنكم) الباقي ويقاس عليه نحو العسل والدبس الجامدين وسقط للأربعة قوله: فاطرحوه وخرج بالجامد الذائب فإنه ينجس كله بملاقاة النجاسة ويتعذر تطهيره ويحرم أكله ولا يصح بيعه. نعم يجوز الاستصباح به والانتفاع به في غير الأكل والبيع، وهذا مذهب الشافعية والمالكية لقوله في الرواية الأخرى فإن كان مائعًا فاستصبحوا به، وحرم الحنفية أكله فقط لقوله: انتفعوا به، والبيع من باب الانتفاع ومنع الحنابلة من الانتفاع به مطلقًا لقوله في حديث عبد الرزاق وإن كان مائعًا فلا تقربوه.
ورواة هذا الحديث الستة مدنيون وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والقول، ورواية صحابي عن صحابية، وأخرجه المؤلف أيضًا في الذبائح وهو من إفراده عن مسلم، وأخرجه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح والنسائي.
٢٣٦ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ
سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: «خُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ». قَالَ مَعْنٌ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ مَا لَا أُحْصِيهِ يَقُولُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا معن) بفتح الميم وسكون العين آخره نون ابن عيسى أبو يحيى القزاز بالقاف والزايين المعجمتين أولاهما مشددة نسبة لشراء القز المدني، المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة (قال: حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون المثناة الفوقية (ابن مسعود عن ابن عباس) ﵄ (عن ميمونة) ﵂:
(أن النبي ﷺ سئل) يحتمل أن السائل هي ميمونة كما يدل عليه رواية يحيى القطان وجويرية
عن مالك في هذا الحديث عند الدارقطني (عن فأرة) بالهمزة الساكنة (سقطت في سمن فقال) ﵊: (خذوها) أي الفأرة (وما حولها) من السمن (فاطرحوه) أي المأخوذ وهو الفأرة وما حولها أي وكلوا الباقي كما صرح به في الرواية السابقة فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم وفيه أنه ينجس، وإن لم يتغير بخلاف الماء، والمراد بطرحه أن لا يأكلوه أما الاستصباح فلا بأس به كما مرَّ.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة.
(قال معن) القزاز فيما قاله علِي بن المديني بإسناده السابق (حدّثنا مالك ما لا أحصيه) بضم الهمزة أي ما لا أضبطه (يقول عن ابن عباس عن ميمونة) أي فهو من مسانيد ميمونة برواية ابن عباس كما في الموطأ من رواية يحيى بن يحيى وهو الصحيح، وقال الذهلي في الزهريات: إنه أشهر وليس هو من مسانيد ابن عباس، وإن رواه القعنبي وغيره في الموطأ وأسقط أشهب ابن عباس وأسقطه وميمونة يحيى بن بكير وأبو مصعب، ولهذا الاختلاف على مالك في