ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش فأشبع الناس خبزًا ولحمًا ثم خرج) عليه الصلاة والسلام والقوم جالسون يتحدثون بعد أن أكلوا (إلى حجر أمهات المؤمنين كما كان يصنع) عليه الصلاة والسلام (صبيحة بنائه) أي صباحًا بعد ليلة الزفاف (فيسلم عليهن ويدعو لهن ويسلمن عليه ويدعون له) ولأبي ذر فيسلم عليهن ويسلمن عليه ويدعو لهن ويدعون له (فلما رجع إلى بيته رأى رجلين جرى بهما الحديث) في السابق فإذا ثلاثة. وأجاب البرماوي كالكرماني بأن مفهوم العدد لا اعتبار له والمحادثة كانت بينهما والثالث ساكن، وقال في الفتح: كان أحد الثلاثة فطن لمراد الرسول فخرج وبقي الاثنان (فلما رآهما رجع عن بيته فلما رأى الرجلان نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجع عن بيته) وفهما مراده (وثبا مسرعين) قال أنس: (فما أدري أنا أخبرته بخروجهما أم أخبر فرجع) عليه الصلاة والسلام (حتى دخل البيت وأرخى الستر بيني وبينه وأنزلت آية الحجاب) ظاهره كالسابق نزول الآية بعد قيام القوم إلا الثانية فقبله فأول بأنها نزلت حال قيامهم أي أنزلها الله وقد قاموا.
(وقال ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بين الحكم بن أبي مريم المصري ولأبي ذر إبراهيم ابن أبي مريم شيخ المؤلّف وذكر إبراهيم غلط فاحش (أخبرنا يحيى) بن أيوب الغافقي المصري قال: (حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل أنه (سمع أنسًا) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) صرح حميد بالسماع من أنس فعنعنته غير مؤثرة.
وبه قال:(حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (زكريا بن يحيى) بن صالح البلخي الحافظ قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: خرجت سودة) بنت زمعة أم المؤمنين -رضي الله عنها- (بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها) بضم الضاد المعجمة مبنيًّا للمفعول (وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (فقال: يا سودة أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم وبعدها ألف حرف استفتاح ولأبي ذر أم بحذف الألف (والله ما تخفين علينا فانظر كيف تخرجين) ولعله قصد المبالغة في احتجاب أمهات المؤمنين بحيث لا يبدين أشخاصهن أصلًا ولو كن مستترات (قالت: فانكفأت) بالهمزة أي انقلبت حال كونها (راجعة ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي وأنه) بالواو ولأبي ذر فإنه (ليتعشى وفي يده) ولأبوي ذر والوقت في يده بإسقاط الواو (عرق) بفتح العين وسكون الراء ثم قاف العظم الذي عليه اللحم (فدخلت فقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذا وكذا قالت): أي عائشة (فأوحى الله إليه) ولأبي ذر فأوحي إليه بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (ثم رفع عنه) ما كان فيه من الشدة بسبب نزول الوحّي (وإن العرق) بفتح العين وسكون الراء (في يده ما وضعه) والجملة حالية (فقال: إنه) أي أن الشأن (قد أذن) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (لكنّ أن تخرجن لحاجتكن) دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج، وفيه تنبيه على أن المراد بالحجاب التستر حتى لا يبدو من جسدهن شيء لا حجب أشخاصهن في البيوت والمراد بالحاجة البراز كما وقع في الوضوء من تفسير هشام بن عروة وقال الكرماني وتبعه البرماوي فإن قلت: قال ها هنا أنه كان بعد ما ضرب الحجاب، وقال في كتاب الوضوء في باب خروج النساء إلى البراز أنه قبل الحجاب قلت لعله وقع مرتين اهـ.
ومراده أن خروج سودة للبراز وقول عمر لها ما ذكر وقع مرتين لا وقوع الحجاب، وقول الحافظ ابن حجر عقب جواب الكرماني، قلت: بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني وذكره العيني وأقره فيه نظر إذ ليس في الحديث ما يدل لذلك بل ولا أعلم أحدًا قال بتعدّد الحجاب. نعم يحتمل أن يكون مراده الحجاب الثاني بالنظر لإرادة عمر -رضي الله عنه- أن يحتجبن في البيوت فلا يبدين أشخاصهن فوقع الإذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعًا للمشقة كما صرح هو به في الفتح وليس المراد نزول الحجاب مرتين