من الشرع فهو مردود فردّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كان من ذلك خارجًا عن شرعه وسنته ولم يأذن له (ولو أذن) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له) أي لابن مظعون في ترك النكاح (لاختصينا) افتعال من خصيته سللت خصيته فهو خصيّ بفتح أوّله ومخصيّ أي: لفعلنا فعل من يختصي بأن نفعل ما يُزيل الشهوة، وليس المراد إخراج الخصيتين لأنه حرام أو هو على ظاهره وكان قبل النهي عن الاختصاء.
قال في الفتح ويؤيده توارد استئذان جماعة من الصحابة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك كأبي هريرة وابن مسعود وغيرهما. قال في شرح المشكاة: وكان من حق الظاهر أن يقال لو أذن له لتبتلنا فعدل إلى قوله اختصينا إرادة للمبالغة أي لو أذن لنا بالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء ولم يرد حقيقة الاختصاء لأنه غير جائز. قال في الفتح: وإنما كان التعبير بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبتل لأن وجود الآلة يقتضي استمرار وجود الشهوة ووجود الشهوة ينافي المراد من التبتل فيتعين الخصاء طريقًا إلى تحصيل المطلوب وغايته أن فيه ألمًا عظيمًا في العاجل يغتفر في جنب ما يندفع به في الآجل فهو كقطع الأصبع إذا وقعت في اليد المتأكلة صيانة لبقية اليد وليس الهلاك بالخصاء محققًا بل هو نادر.
وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة في النكاح.
وبه قال:(حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: لقد ردّ ذلك) أي اعتقاد مشروعية التبتل (يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عثمان بن مظعون) ثبت ابن مظعون لأبي الوقت (ولو أجاز) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له التبتل لاختصينا) لدفع شهوة النساء ليمكننا التبتل حينئذٍ ولعلهم كانوا يظنون جوازه ولم يكن هذا الظن موافقًا فإن الاختصاء حرام في الآدمي وغيره من الحيوانات إلا المأكول فيجوز في صغره ويحرم في كبره.
وبه قال:(حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم أنه (قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه-: (كنا نغزو مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس لنا) من المال (فقلنا) أي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا نستخصي) أي ألا نستدعي من يفعل بنا الخصاء أو نعالج ذلك بأنفسنا (فنهانا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن ذلك) نهي تحريم لما فيه من تعذيب النفس والتشويه وإبطال معنى الرجولية وتغيير خلق الله وكفر النعمة لأن خلق الشخص رجلًا من النعم العظيمة، فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال. (ثم رخص) عليه الصلاة والسلام (لنا) بعد ذلك (أن ننكح المرأة بالثوب) أي إلى أجل
في نكاح المتعة (ثم قرأ علينا) أي عبد الله بن مسعود كما في رواية مسلم وكذا الإسماعيلي في تفسير المائدة ({يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}) ما طاب ولذّ من الحلال ومعنى لا تحرموا لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدًا منكم وتقشفًا وعن ابن مسعود أن رجلًا قال له: إني حرمت الفراش فتلا هذه الآية. وقال: نم على فراشك وكفر عن يمينك ودعي الحسن إلى طعام ومعه فرقد السبخي وأصحابه فقعدوا على المائدة وعليها ألوان من الدجاج المسمن والفالوذج وغير ذلك فاعتزل فرقد ناحية فسأل الحسن أهو صائم قالوا لا ولكنه يكره هذه الألوان فأقبل الحسن عليه، وقال: يا فريقد أترى لُعاب النحل بلباب البر بخالص السمن يعيبه مسلم ({ولا تعتدوا}) أي لا تتجاوزوا الحدّ الذي حدّ عليكم في تحريم أو تحليل أو ولا تتعدّوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم ({إن الله لا يحب المعتدين})[المائدة: ٨٧] حدوده. قال الراغب: لما ذكر تعالى حال الذين قالوا إنا نصارى ذكر أن منهم قسيسين ورهبانًا فمدحهم بذلك، وكانت الرهابنة قد حرموا على أنفسهم طيبات ما أحل الله لهم ورأى الله تعالى قومًا تشوّفوا إلى حالهم