المعتوه المغلوب على عقله" لكنه من رواية عطاء بن عجلان وهو ضعيف جدًّا. والمعتوه كالمجنون في نقص العقل فمنه الطفل والمجنون والسكران، وقيل: المعتوه القليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير فهو كالمجنون لكنه لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون، والعاقل من يستقيم كلامه وأفعاله إلا نادرًا، والمجنون ضدّه والمعتوه من يكون ذلك منه على السواء، وهذا يؤدّي إلى أن لا يحكم على أحد بالعته، والقول بأنه القليل الفهم إلى آخره أولى، وقيل من يفعل فعل المجانين عن قصد مع ظهور الفساد والمجنون بلا قصد والعاقل خلافهما وقد يفعل فعل المجانين على ظن الصلاح أحيانًا، وقد علم أن التصرفات لا تنفذ إلا ممن له أهلية التصرف ومدارها العقل والبلوغ خصوصًا ما هو دائر بين الضرر والنفع خصوصًا ما لا يحل إلا لانتفاء مصلحة ضده القائم كالطلاق فإنه يستدعي تمام العقل ليحكم به التمييز في ذلك الأمر ولم يكفّ عقل الصبي العاقل لأنه لم يبلغ الاعتدال بخلاف ما هو حسن لذاته بحيث لا يقبل حسنه السقوط وهو الإيمان حتى صحّ من الصبي العاقل، ولو فرض لبعض الصبيان المراهقين عقل جيد لا يعتبر في التصرفات لأن المدار البلوغ لانضباطه فتعلق به الحكم، وبهذا يبعد ما نقل عن ابن المسيب أنه إذا عقل الصبي الطلاق جاز طلاقه، وعن ابن عمر جواز طلاق الصبي ومراده العاقل، ومثله عن الإمام أحمد والله أعلم بصحة هذه النقول قاله الشيخ كمال الدين بن الهمام -رحمه الله تعالى-.
وعن ابن عباس عند ابن أبي شيبة لا يجوز طلاق الصبي، وسبق في هذا الباب قول عثمان ليس لمجنون ولا لسكران طلاق وزيادة ابن عباس المستكره، وفي مسألة السكران خلاف عالٍ بين التابعين ومن بعدهم فقال بوقوعه من التابعين سعيد بن المسيب وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن سيرين ومجاهد، بل قال به من الصحابة عثمان وابن عباس كما مرّ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، في رواية مشهورة عنه والحنفية فيصح منه مع أنه غير مكلف تغليظًا عليه ولأن صحته من قبيل ربط الأحكام بالأسباب كما قاله الغزالي في المستصفى، وأجاب عن قوله تعالى: ﴿لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى﴾ [النساء: ٤٣] الذي استند إليه الجويني وغيره في تكليف السكران، لأن المراد به هو في أوائل السكر وهو المنتشي لبقاء عقله وانتفاء تكليف السكران لانتفاء الفهم الذي هو شرط التكليف، والمراد بالسكران الذي يصح طلاقه ونكاحه ونحوهما مَن زال
عقله بما أثم به من شرب مُسكِر متعد بشربه. وقال ابن الهمام: وكونه زوال عقله بسبب هو معصية لا أثر له وإلا صحّت ردّته ولا تصح قلنا لما خاطبه الشرع في سكره بالأمر والنهي بحكم فرعي عرفنا أنه اعتبره كقائم العقل تشديدًا عليه في الأحكام الفرعية، وعقلنا أن ذلك يناسب كونه تسبب في زوال عقله بسبب محظور وهو مختار فيه، وعلى هذا اتفق فتاوى مشايخ المذهبين من الشافعية والحنفية بوقوع طلاق من غاب عقله بأكل الحشيشة وهي المسماة بورق القنب لفتواهم بحرمتها بعد أن اختلفوا فيها فأفتى المزني بحرمتها وأفتى أسد بن عمرو بحلّها لأن المتقدمين لم يتكلموا فيها بشيء لعدم ظهور شأنها فيهم فلما ظهر من أمرها من الفساد كثير وفشا، عاد مشايخ المذهبين إلى حرمتها وأفتوا بوقوع الطلاق ممن زال عقله بها إذا استعملها مختارًا أما إذا أكره على شرب مسكر ولم يعلم أنه مسكر فلا يقع طلاقه لعدم تعدّيه والرجوع في معرفة السكر إلى العرف، ولو قال: إنما شربت الخمر مكرهًا وثم قرينة أو لم أعلم أن ما شربته مسكر صدّق بيمينه قاله الأذرعي، وأما المكره فعند الشافعية لا يصح طلاقه لحديث: وما استكرهوا عليه، وحديث لا طلاق في إغلاق أي إكراه رواه أبو داود والحاكم، وصحح إسناده وحدّ الإكراه أن يهدّد المكره قادر على الإكراه بولاية أو تغلب عاجلًا ظلمًا وعجز المكره عن دفعه بهرب وغيره كاستغاثة بغيره وظنه أنه إن امتنع من فعل ما أكره عليه حقق ما هدده به ويحصل بتخويف بمحذور كضرب شديد أو إتلاف مال، ويختلف باختلاف طبقات