(﴿تربص أربعة أشهر﴾) أي استقر للمولين ترقب أربعة أشهر لا بيؤلون لأن آلى يعدّى بعلى يقال: آلى فلان على امرأته، ويجوز أن يقال عدّي بمن لما في هذا القاسم من معنى البعد فكأنه قيل يبعدون من نسائهم مولين، وتربص مبتدأ خبره للذين، وآلى أصله أألى فأبدلت الثانية ألفًا لسكونها وانفتاح ما قبلها نحو آمن وإضافة التربص اللاحقة من إضافة المصدر لمفعوله على الاتساع في الظرف حتى صار مفعولًا به، وكان الإيلاء في الجاهلية طلاقًا فغيّر الشرع حكمه وخصّه بالحلف على الامتناع من وطء الزوجة مطلقًا أو أكثر من أربعة أشهر وهو
حرام لما فيه من منع حق الزوجة في الوطء وأركانه حالف ومحلوف به ومحلوف عليه ومدة وصيغة وزوجة.
فالحالف شرطه زوج مكلف مختار يتصور منه الجماع فلا يصح من أجنبي كسيد ولا من غير مكلف إلا السكران ولا من مكره ولا ممن لم يتصور منه الجماع كمجبوب.
وشرطه في المحلوف به كونه اسمًا أو صفة الله تعالى كقوله: والله أو والرحمن لا أطؤك أو كونه التزام ما يلزم بنذر أو تعليق طلاق أو عتق كقوله: إن وطئتك فلله عليّ صلاة أو حج أو صوم أو عتق، أو إن وطئتك فضُرّتك طالق أو فعبدي حر.
وشرطه في المحلوف عليه ترك وطء شرعي فلا إيلاء بحلفه على امتناعه من تمتعه بها بغير وطء. وفي المدة زيادة على أربعة أشهر بأن يطلق كأن يقول والله لا أطؤك أو يؤبد كقوله: والله لا أطؤك أبدًا أو يقيد بزيادة على أربعة أشهر كقوله: والله لا أطؤك خمسة أشهر أو يقيد بمستبعد الحصول فيها كقوله: والله لا أطؤك حتى ينزل عيسى ابن مريم ﵊، أو حتى أموت، فلو قيد بالأربعة أو نقص عنها لا يكون إيلاء بل مجرد حلف لأن المرأة تصبر عن الزوج أربعة أشهر وبعدها يفنى صبرها أو يقل.
وفي الصيغة لفظ يشعر بالإيلاء إما صريح كتغييب حشفة الرجل بفرج وجماع كقوله: والله لا أغيب حشفتي بفرجك أو لا أطؤك أو كناية كملامسة ومباضعة كقوله، والله لا ألامسك أو لا أباضعك.
وفي الزوجة تصوّر وطء فلا يصح من رتقاء وقرناء (﴿فإن فاؤوا﴾) أي (رجعوا) إلى الوطء عن الإصرار بتركه (﴿فإن الله غفور رحيم﴾) حيث شرع الكفارة (﴿وإن عزموا الطلاق﴾) بترك الفيء (﴿فإن الله سميع﴾) لإيلائه (﴿عليم﴾)[البقرة: ٢٢٦ و ٢٢٧] بنيته وهو وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة، والمعنى عند إمامنا الشافعي رحمة الله عليه فإن فاؤوا وإن عزموا بعد مضيّ المدة لأن الفاء للتعقيب فيكون الفيء قبل مضيّ المدة وبعدها وعند مضيها يوقف إلى أن يفيء أو يطلق، وعبارته كما في المعرفة للبيهقي ظاهر كتاب الله يدل على أنه له أربعة أشهر ومن كانت له أربعة أشهر أجلًا له فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي الأربعة الأشهر كما لو أجلتني أربعة أشهر لم يكن لك أخذ حقك مني حتى تنقضي الأربعة الأشهر، ودل على أن عليه إذا مضت الأربعة الأشهر واحدًا من حكمين إما أن يفيء أو يطلق فقلنا بهذا وقلنا لا يلزمه طلاق بمضيّ أربعة أشهر حتى يحدث فيئة أو طلاقًا. قال: والفيئة الجماع إلا من عذر انتهى.
وعند الحنفية الفيء في المدة لا غير، وأجاب الشيخ كمال الدين: بأن الفاء لتعقيب المعنى في الزمان في عطف المفرد كجاء زيد فعمرو وتدخل الجمل لتفصيل مجمل قبلها وغيره، فإن كانت
للأوّل نحو: ﴿فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة﴾ [النساء: ١٥٣] ﴿ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي﴾ [هود: ٤٥] ونحو: توضأ فغسل وجهه ويديه ورجليه ومسح رأسه فلا تفيد ذلك التعقيب بل التعقيب الذكري بأن ذكر التفصيل بعد الإجمال وإن كانت لغيره، فكالأول كجاء زيد فقام عمرو، فكلٌّ من التعقيبين جائز الإرادة في الآية المعنوي بالنسبة إلى الايلاء، فإن فاؤوا بعد الإيلاء والذكري فإنه لما ذكر تعالى أن لهم من نسائهم أن يتربصوا أربعة أشهر من غير بينونة مع عدم الوطء كان موضع تفصيل الحال في الأمرين فقوله تعالى: ﴿فإن فاؤوا﴾ إلى قوله: ﴿سميع عليم﴾ واقع لهذا الغرض فيصح كون المراد فإن فاؤوا أي رجعوا عما استمروا عليه بالوطء في المدة المعدة تعقيبًا على الإيلاء التعقيب الذكري أو