الذين سلفوا) أي ماتوا في حياته ﷺ(مضوا) ماتوا (ولم تنقصهم الدنيا) من أجورهم شيئًا فلم يستعجلوا ما فيها بل صارت مدخرة لهم في الآخرة، وقال الكرماني: أي لم تجعلهم الدنيا من أهل النقصان بسبب اشتغالهم بها أي لم يطلبوا الدنيا ولم يحصلوها حتى يلزم بسببه فيهم نقصان إذ الاشتغال بها اشتغال عن الآخرة قال الشاعر:
ما استكمل المؤمن أطرافه طرفًا … إلا تخرّمه النقصان من طرف
(وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعًا) نصرفه فيه (إلا التراب) يعني البنيان وعند أحمد في هذا الحديث بعد قوله إلا التراب وكان يبني حائطًا له (ولولا أن النبي ﷺ نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به) أي على نفسي قال ذلك لأنه ابتلي في جسده ابتلاء شديدًا وهو أخص من تمنيه فكل دعاء تمن من غير عكس ومن ثم أدخله في الترجمة، قال قيس (ثم أتيناه) أي أتينا خبابًا (مرة أخرى وهو يبني حائطًا له فقال: إن المسلم يؤجر) ولأبي ذر ليؤجر (في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب) أي في البنيان الزائد على الحاجة وتكرار المجيء ثبت في رواية شعبة وهو أحفظ فزيادته مقبولة والظاهر أن قصة بناء الحائط كانت سببًا لقوله: وإنا أصبنا من الدنيا، إلخ.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الدعوات والرقاق ومسلم في الدعوات والنسائي في الجنائز.
وبه قال:(حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو عبيد) بضم العين وفتح الموحدة من غير إضافة لشيء اسمه سعد بن عبيد الزهري (مولى عبد الرحمن) بن أزهر (بن عوف) ابن أخي عبد الرحمن بن عوف الزهري (أن أبا هريرة)﵁(قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لن يدخل أحدًا عمله الجنة). واستشكل بقوله تعالى: ﴿وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون﴾ [الزخرف: ٧٢] وأجيب: بأن محمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال لأن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال وأن محمل الحديث على أصل دخول الجنة.
فإن قلت: إن قوله تعالى: ﴿سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون﴾ [النحل: ٣٢] صريح بأن دخول الجنة أيضًا بالأعمال، أجيب: بأنه لفظ مجمل بينه الحديث، والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون، فليس المراد أصل الدخول أو المراد ادخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم لأن اقتسام منازل الجنة برحمته وكذا أصل دخولها ألهم العاملين ما نالوا به بذلك ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله لا إله إلا هو له الحمد (قالوا: ولا أنت يا رسول الله) لا ينجيك عملك مع عظم قدره (قال)﵊:
(ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة) وللمستملي بفضل رحمته بإضافة بفضل للاحقها أي يلبسنيها ويسترني بها مأخوذ من غمد السيف وأغمدته ألبسته غمده وغشيته به وفي رواية سهيل إلا أن يتداركني الله برحمته وفي رواية ابن عون عند مسلم بمغفرة ورحمة وقال ابن عون بيده هكذا وأشار على رأسه. قال في الفتح: وكأنه أراد تفسير معنى يتغمدني وعند مسلم من حديث جابر لا يدخل أحدًا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا أنا إلا برحمة من الله (فسددوا) بالسين المهملة أي اقصدوا السداد أي الصواب (وقاربوا) أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملالة فتتركوا العمل فتفرطوا وفي رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم ولكن سددوا ومعنى الاستدراك أنه قد يفهم من نفي المذكور نفي فائدة العمل فكأنه قيل بل له فاندة وهي أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تدخل العامل فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب أي اتباع السُّنّة من الإخلاص وغيره ليقبل عملكم فينزل عليكم الرحمة وللحموي والمستملي وقربوا بتشديد الراء من غير ألف (ولا يتمنين) بتحتية بعد النون آخره نون توكيد