فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف وكما أن حرارة الصيف أثّر من فيحها كذلك الحمى، والحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى جميع البدن وهي قسمان: عرضية وهي الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس أو القبض الشديد ونحوها، ومرضية وهي ثلاثة أنواع وتكون عن مادة، ثم منها ما يسخن جميع البدن فإن كان مبدأ تعلقها بالروح فهي حمى يوم لأنها تقلع غالبًا في يوم ونهايتها إلى ثلاث وإن كان تعلقها بالأعضاء الأصلية فهي حمى دق وهي أخطرها لأن كانت تعلقها بالأخلاط سميت عفنية وهي بعدد الأخلاط الأربعة وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الإفراد والتركيب.
٥٧٢٣ - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ». قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: اكْشِفْ عَنَّا الرِّجْزَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس (عن نافع عن ابن عمر) عبد الله (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): مرشدًا لأهل الحجاز ومن والاهم ومن به الحمى الصفراوية أو العرضية.
(الحمى من فيح جهنم) بفتح الفاء وسكون التحتية بعدها حاء مهملة (فأطفئوها) بقطع الهمزة وكسر الفاء بعدها همزة مضمومة أمر بإطفاء حرارتها (بالماء) شربًا وغسل الأطراف. زاد أبو هريرة في حديثه عند ابن ماجة البارد. وفي حديث ابن عباس عند الإمام أحمد بماء زمزم، ولفظ البخاري الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو بماء زمزم شك همام وتمسك به من قال: إن ذكر ماء زمزم ليس قيد الشك راويه فيه وتعقب بأن أحمد رواه عن عفان عن همام بغير شك وأجيب على تقدير عدم الشك بأن الخطاب لأهل مكة خاصة لتيسر ماء زمزم عندهم وبأن الخطاب بمطلق الماء لغيرهم.
وحديث الباب أخرجه مسلم والنسائي في الطب.
(قال نافع): مولى ابن عمر بالإسناد السابق (وكان عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- (يقول) في الحمى: اللهم (اكشف عنا الرجز) أي العذاب، واستشكل طلبه كشفها مع ما فيها من الثواب. وأجيب: بأن طلبه ذلك لمشروعية الدعاء بالعافية إذ إنه سبحانه وتعالى قادر على
تكفير سيئات عبده وتعظيم ثوابه من غير سبب شيء يشق عليه.
٥٧٢٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِالْمَرْأَةِ قَدْ حُمَّتْ تَدْعُو لَهَا أَخَذَتِ الْمَاءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُنَا أَنْ نَبْرُدَهَا بِالْمَاءِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن هشام) هو ابن عروة (عن) ابنة عمه وزوجته (فاطمة بنت المنذر) بن الزبير (أن أسماء بنت) ولأبي ذر ابنة (أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- كانت إذا أتيت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بالمرأة قد حمّت) بضم الحاء وفتح الميم المشددة حال كونها (تدعو لها أخذت الماء فصبته بينها) بين المحمومة (وبين جيبها) بفتح الجيم وكسر الموحدة بينهما تحتية ساكنة وهو ما يكون مفرجًا من الثوب كالطوق والكم (قالت) أسماء: (وكان) ولأبي ذر: وقالت كان (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرنا أن نبردها بالماء) بفتح النون وضم الراء بينهما موحدة ساكنة ولأبي ذر كما في الفتح أن نبردها بضم ففتح فكسر مع تشديد وفيه كيفية التبريد المطلق في الحديث السابق والصحابيّ، ولا سيما أسماء بنت أبي بكر التي كانت ممن يلزم بيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلم بمراده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غيره، ولعل هذا هو الحكمة في سياق المؤلّف حديثها عقب حديث ابن عمر المذكور، فللَّه دره ما أدق نظره وأبدع ترتيبه -رحمه الله- وإيانا؛ وقد تبين أن المراد استعمال الماء على وجه مخصوص لا اغتسال جميع البدن وحينئذ فلم يبق للمعترض بأن المحموم إذا انغمس في الماء أصابته الحمى فاحتقنت الحرارة في باطن بدنه وربما أحدثت له مرضًا مهلكًا إلاّ مرض البدعة.
وأما حديث ثوبان رفعه: "إذا أصاب أحدكم الحمى وهي قطعة من النار فليطفئها عنه بالماء يستنقع في نهر جار ويستقبل جريته وليقل: بسم الله اللهمّ اشفِ عبدك وصدّق رسولك بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس ولينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام فإن لم يبرأ فخمس وإلاّ فسبع وإلاّ فتسع فإنها لا تكاد تجاوز تسعًا بإذن الله تعالى".