ولأبي ذر قال (من لبس الحرير) أي من الرجال (في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة) لما حصل له من التنعيم في الدنيا، وقد قيل إنه محمول على الزجر واستبعد، وقيل على المستحل للبسه، وقال القاضي عياض: يحتمل أن يراد به كفار ملوك الأمم أو الفعل يقتضي ذلك وقد يتخلف لمقتض كالتوبة والحسنات التي توازن والمصائب التي تكفر وشفاعة من يؤذن له في الشفاعة أو يمنع منه بعد دخوله الجنة، لكن ينسبه الله ويشغله عنه أبدًا ويرضيه بحيث لا يجد ألمًا بتركه ولا رؤية نقص في نفسه إذ الجنة لا ألم فيها ولا حزن، ولذلك نظائر كثيرة تؤوّل كذلك وأعم من ذلك كله عفو أرحم الراحمين.
٥٨٣٣ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ: قَالَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِى الآخِرَةِ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي أحد الأعلام (عن ثابت) البناني (قال: سمعت ابن الزبير) عبد الله حال كونه (يخطب) زاد النسائي وهو على المنبر (يقول: قال محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من لبس الحرير في الدنيا لم) بالميم (يلبسه في الآخرة) ولأبي ذر عن الكشميهني لن بالنون.
قال في الفتح: وهو أوضح في النفي، وهذا الحديث من مرسل ابن الزبير وقد تبين من الروايتين الآتيتين إن شاء الله تعالى أن ابن الزبير إنما حمله عن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث قد أخرجه النسائي في الزينة وفي التفسير.
٥٨٣٤ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى ذُبْيَانَ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِى الآخِرَةِ». وَقَالَ لَنَا أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ يَزِيدَ، قَالَتْ مُعَاذَةُ: أَخْبَرَتْنِى أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ سَمِعَ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة بعدها دال مهملة ابن عبيد الجوهري البغدادي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي ذييان) بضم الذال المعجمة وكسرها وسكون الموحدة بعدها تحتية فألف فنون (خليفة بن كعب) التميمي البصري وليس له في البخاري إلا هذا وقد وثّقه النسائي أنه (قال: سمعت ابن الزبير) عبد الله (يقول: سمعت عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من لبس الحرير في الدنيا) من الرجال مستحلاًّ له (لم يلبسه في الآخرة) أو المراد لم يلبسه في الآخرة مدة عقابه إذا عوقب على معصيته بارتكاب النهي عن لبسه أو غير ذلك مما سبق قريبًا، وزاد النسائي في آخر الحديث من طريق جعفر بن ميمون ما يبين أنه مدرج من قول ابن الزبير ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة. قال الله تعالى: {ولباسهم فيها حرير} [الحج: ٢٣] وأخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم من طريق داود السراج عن أبي سعيد بعد قوله: "لم يلبسه في الآخرة" وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو، وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون أيضًا مدرجًا وعلى تقدير أن يكون الرفع محفوظًا فهو من العام المخصوص بالمكلفين من الرجال للأدلة الأخرى بجوازه للنساء. قال البخاري:
(وقال لنا أبو معمر): بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو بن الحجاج في حالة المذاكرة وسقط لنا ولأبي ذر (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن يزيد) من الزيادة الضبعي المعروف بالرشك بكسر الراء وسكون الشين المعجمة بعدها كاف معناه القسام كان يقسم الدور (قالت معاذة) بنت عبد الله العدوية: (أخبرتني) بالإفراد (أم عمرو) بفتح العين (بنت عبد الله) بن الزبير كما جزم به الكلاباذي قالت (سمعت عبد الله بن الزبير) يقول إنه (سمع عمر) -رضي الله عنه- يقول (سمع النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يقول (نحوه) أي نحو الحديث السابق، وثبت قوله نحوه في رواية أبي ذر وحده.
٥٨٣٥ - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْحَرِيرِ فَقَالَتِ: ائْتِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ قَالَ: فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: سَلِ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو حَفْصٍ يَعْنِى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِى الآخِرَةِ». فَقُلْتُ: صَدَقَ وَمَا كَذَبَ أَبُو حَفْصٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ:
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِى عِمْرَانُ وَقَصَّ الْحَدِيثَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن بشار) المعروف ببندار قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: (حدّثنا علي بن المبارك) الهمداني الموثق وليس له في البخاري إلا هذا وهو متابعة وآخر في باب نقض الصور (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عمران بن حطان) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين السدوسي وكان خارجيًّا مدح ابن ملجم قاتل علي بن أبي طالب لكن وثق أنه (قال: سألت عائشة) -رضي الله عنها- (عن) استعمال (الحرير فقالت: ائت ابن عباس فسله. قال) عمران فأتيته (فسألته