-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق) كأنه يقول له: يا فاسق (ولا يرميه بالكفر) كأن يقول له: يا كافر (إلا ارتدت عليه) الرمية فيصير فاسقًا أو كافرًا (إن لم يكن صاحبه) المرمي (كذلك) وإن كان موصوفًا بذلك فلا يرتد إليه شيء لكونه صدق فيما قاله فإن قصد بذلك تعييره وشهرته بذلك وأذاه حرم عليه لأنه مأمور بستره وتعليمه وموعظته بالحسنى، فمهما أمكنه ذلك بالرفق حرم عليه فعله بالعنف لأنه قد يكون سببًا لإغوائه وإصراره على ذلك الفعل كما في طبع كثير من الناس من الأنفة لا سيما إن كان الآمر دون المأمور في الدرجة فإن قصد نصحه أو نصح غيره ببيان حاله جاز له ذلك.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان.
٦٠٤٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا سَبَّابًا كَانَ يَقُولُ: عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ»؟.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوفي قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام بعدها تحتية ساكنة فمهملة العدوي مولاهم المدني قال: (حدّثنا هلال بن علي) وهو هلال بن أبي ميمون وهو هلال بن أسامة نسب إلى جدّه (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: لم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا) بالطبع (ولا لعّانًا ولا سبّابًا) بتشديد العين والموحدة فيهما أي بالتكلف (كان يقول عند المعتبة): بفتح الميم والفوقية عند الموجدة والسخط.
(ما له) استفهام (ترب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: تربت (جبينه) أي لا أصاب خيرًا فهي دعاء عليه أو هي كلمة تقولها العرب لا يريدون بها ذلك.
والحديث سبق قريبًا.
٦٠٤٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلَامِ فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ فِى الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهْوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار البصري قال (حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: (حدّثنا علي بن المبارك) الهنائي (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الإمام أبي نصر اليماني الطائي أحد الأعلام (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (أن ثابت بن الضحاك) الأنصاري الأشهلي (وكان من أصحاب الشجرة) شجرة الرضوان بالحديبية (حدّثه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من حلف على ملة غير الإسلام) بتنوين ملة فغير صفة وعلى بمعنى الباء، ويحتمل أن يكون التقدير من حلف على شيء بيمين فحذف المجرور وعدى الفعل بعلى بعد حذف الباء، والأوّل أقل في التعبير كأن يقول: إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني كاذبًا (فهو كما قال) الفاء جواب الشرط وهو مبتدأ أو كما يقول في محل الخبر أي فهو كائن كما قال، أو الكاف بمعنى مثل فتكون ما مع ما بعدها في موضع جر بالإضافة أي فهو مثل قوله فتكون ما مصدرية، ويحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف أي فهو كالذي قاله، والمعنى فمثله مثل قوله لأن هذا الكلام محمول على التعليق مثل أن يقول هو يهودي أو نصراني إن كان فعل كذا، والحاصل أنه يحكم عليه بالذي نسبه لنفسه وظاهره أنه يكفر أو هو محمول على من أراد أن يكون متصفًا بذلك إذا وقع المحلوف عليه لأن إرادة الكفر كفر فيكفر في الحال، أو المراد التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم وإن قصد تبعيد نفسه عن الفعل فليس بيمين ولا يكفر به وإن قال: واللات والعزى وقصد التعظيم واعتقد فيها من التعظيم ما يعتقده في الله كفر وإلاّ فلا. قإل في الروضة: وليقل لا إله إلا الله محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي الحديث الصحيح عن أبي هريرة مرفوعًا: من حلف فقال في حلفه اللات والعزى فليقل لا إله إلا الله، ففيه دليل على أنه لا كفارة على من حلف بغير الإسلام بل يأثم وتلزمه التوبة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعل عقوبته في دينه ولم يوجب في ماله شيئًا وإنما أمره بكلمة التوحيد لأن اليمين إنما تكون بالمعبود فإذا حلف باللات والعزى فقد ضاهى الكفار في ذلك فأمره أن يتداركه بكلمة التوحيد قاله البغوي في شرح السنّة.
(وليس على ابن آدم نذر) أي ليس عليه وفاء نذر (فيما لا يملك) كأن يقول: إن شفى الله مريضي فعبد فلان حر أو أتصدق بدار زيد أما لو قال نحو: إن شفى الله مريضي فعلّي عتق رقبة
ولا يملك شيئًا في تلك الحالة، فليس من النذر فيما لا يملك لأنه يقدر عليه في الجملة حالاً أو مالاً فهو يملكه بالقوة، وقوله نذر رفع اسم ليس وعلى ابن آدم