بثواب المتقين التائبين، وفي حديث أبي هريرة عند أبي يعلى مرفوعًا: من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب له لحمه في الآخرة فيقال له كُلْه ميتًا كما أكلته حيًّا. قال: فيأكله ويكلح ويصيح وقال الحافظ ابن كثير: غريب جدًّا، وصح: دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام وسامعها شريكه ما لم ينكرها بلسانه ومع خوفه فبقلبه، وقيل غيبة الخلق إنما تكون بالغيبة عن الحق. عافانا الله من المكاره بمنّه وكرمه، وسقط لأبي ذر قوله: أيحب إلى آخره وقال بعد قوله {بعضًا} الآية.
وبه قال:(حدّثنا يحيى) هو ابن موسى الحدّاني بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين وبعد الألف نون أو هو ابن جعفر البلخي قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن الأعمش) سليمان بن مهران أنه (قال: سمعت مجاهدًا) هو ابن جبر (يحدّث عن طاوس) اليماني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: مرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على) صاحبي (قبرين) عبر عن صاحبيهما بهما تسمية للحال باسم المحل (فقال): معطوف على مرّ أو على محذوف أي فوقف فقال: (إنهما) أي صاحبي المقبرين ولم يسميا (ليعذبان وما يعذبان في كبير) قال ابن مالك في هنا للتعليل أي لأجل كبير، والنفي يحتمل أن يكون باعتبار اعتقاد المعذبين أو أنه ليس بكبير على النفس بل هو سهل والاحتراز عنه هين أو ليس بأكبر الكبائر، وإن كان كبيرًا فالكبائر تتفاوت، وحينئذ فيه تنبيه على التحرز من ارتكاب غيره والزجر عنه، أو قاله قبل أن يطلع على أنه من الكبائر فلما اطّلع على ذلك قال: بلى إنه لكبير، وقيل غير ذلك مما سبق في الجنائز وغيرها (أما هذا) أي صاحب أحد المقبرين (فكان لا يستتر من بوله) بمثناتين فوقيتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة أي يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء كما في مسلم وأبي داود.
ووجه دلالة لا يستتر على هذا المعنى أن المستتر عن الشيء يبعد عنه ويحتجب منه فهو مجاز والحمل عليه أولى لأن البول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى.
(وأما) صاحب (هذا) القبر الآخر (فكان يمشي) في الناس متصفًا (بالنميمة) بأن ينقل كلام بعضهم لبعض على جهة الإفساد، وقيل النميمة كشف ما يكره كشفه وهذا شامل لما يكرهه المنقول
عنه أو المنقول إليه أو غيرهما سواء كان بالقول أو الكتابة أو الرمز أو الايماء.
فإن قلت: ليس في الحديث ذكر ما ترجم به وهو الغيبة. أجاب السفاقسي: بأن الجامع بينهما ذكر ما يكرهه المقول فيه بظهر الغيب. انتهى. وأشار إلى ما في بعض طرف الحديث بلفظ الغيبة رواه البخاري في الأدب المفرد من حديث جابر وأحمد والطبراني بإسناد صحيح من حديث أبي بكرة ولفظهما: وما يعذبان إلا في الغيبة، وأحمد والطبراني أيضًا من حديث يعلى بن شبابة بلفظ: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ على قبر يعذّب صاحبه فقال:"إن هذا كان يأكل لحوم الناس".
(ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بعسيب رطب) بفتح العين وكسر السين المهملتين سعف لم ينبت عليه خوص ورطب بفتح الراء وسكون الطاء المهملة (فشقّه باثنين) الباء زائدة في الحال والحال هنا مقدرة كقوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلّقين رؤوسكم}[الفتح: ٢٧]. وعند الدخول لا يكونون محلّقين كما أن العصا عند شقها لا تكون نصفين (فغرس على هذا) القبر نصفًا (واحدًا وعلى هذا) القبر نصفًا (واحدًا ثم قال) عليه الصلاة والسلام بعد أن قالوا: لِمَ فعلت هذا يا رسول الله؟ (لعله يخفف) ولأبي ذر أن يخفف (عنهما) العذاب (ما لم ييبسا) وما ظرفية مصدرية أي مدة انتفاء يبسهما فحذف الظرف وخلفه ما وصلتها كما جاء في المصدر الصريح في قولهم: جئتك صلاة العصر وأتيتك قدوم الحاج، فقوله: لم ييبسا في موضع جر لأن التقدير مدة دوام رطوبتهما، فلو جاء الكلام لعله يخفف عنهما ما ييبسان لم يصح المعنى لأن التأقيت يصير مقدرًا بمدة اليبس وليس هو المراد لأن سر ذلك تسبيحهما ما داما رطبين.