حزم الأنصاري قاضي المدينة وأميرها زمن الوليد، المتوفّى سنة عشرين ومائة عن أربع وثمانين سنة (أن ابن عباس وأبا حبة) بفتح المهملة وتشديد الموحدة على المشهور البدري (الأنصاري) وعند القابسي وأبا حبة بمثناة تحتية وغلط، ورواية أبي بكر بن حزم عن أبي حبة منقطعة لأنه استشهد بأُحُد قبل مولد أبي بكر بدهر، بل قبل مولد أبيه محمد أيضًا، ففي هذه الرواية وهم لأنه إما أن يُراد بابن حزم أبو بكر أو أبوه محمد، فالأول لم يدرك أبا حبة والثاني لم يدركه الزهري إلاّ أن يقال أن أبا بكر رواه عنه مرسلاً إذ قال إن ولم يقل سمعت ولا أخبرني وحينئذ فلا وهم، واختلف في اسم أبي حبة بالموحدة فقيل: عامر بن عبد عمرو بن عمير بن ثابت، وقيل: مالك، وأنكر الواحدي أن يكون في البدريين مَن يكنّى أبا حبّة بالموحدة، قال في الإصابة: وروى عنه أيضًا عمّار بن أبي عمّار وحديثه عنه في مسند ابن أبي شيبة وأحمد، وصحّحه الحاكم وصرّح بسماعه منه، وعلى هذا فهو غير الذي ذكر ابن إسحاق أنه استشهد بأُحد، وله في الطبراني آخر من رواية عبد الله بن عمرو بن عثمان عنه وسنده قوي إلاّ أن عبد الله بن عمرو بن عثمان لم يدركه، قال ابن حزم:(كانا) أي ابن عباس وأبو حبّة (يقولان):
(قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ثم عرج بي) بفتحات أو بضم الأول وكسر الثاني (حتى ظهرت) أي علوت (لمستوى) بواو مفتوحة أي موضع مشرف يستوي عليه وهو المصعد واللام فيه للعلّة أي علت لاستعلاء مستوى، وفي بعض الأصول بمستوى بموحدة بدل اللام (أسمع فيه صريف الأقلام) أي تصويتها حالة كتابة الملائكة ما يقضيه الله تعالى مما تنسخه من اللوح المحفوظ أو ما شاء الله أن يكتب لما أراد الله تعالى من أمره وتدبيره، والله تعالى غنيّ عن الاستذكار بتدوين الكتب إذ علمه محيط بكل شيء. (قال ابن حزم) عن شيخه، (و) قال (أنس بن مالك) عن أبي ذر قال الحافظ ابن حجر: كذا جزم أصحاب الأطراف، ويحتمل أن يكون مرسلاً من جهة ابن حزم ومن رواية أنس بلا واسطة.
(قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ففرض الله) زاد الأصيلي عزّ وجل (على أمتي خمسين صلاة) أي في كل يوم وليلة كما عند مسلم من حديث ثابت عن أنس، لكن بلفظ ففرض الله عليّ، وذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على أمته وبالعكس إلاّ ما يستثنى من خصائصه، (فرجعت بذلك حتى مررت على موسى) عليه الصلاة والسلام (فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال) موسى: (فارجع إلى ربك) أي إلى الموضع الذي ناجيته فيه (فإن أمتك لا تطيق ذلك) سقطت لفظة ذلك في رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر (فراجعني) وللأربعة وعزاها في الفتح للكشميهني فراجعت والمعنى واحد (فوضع) أي ربي (شطرها) وفي رواية مالك بن صعصعة فوضع عني عشرًا وفي رواية ثابت فحط عني خمسًا وزاد فيها أن التخفيف كان خمسًا خمسًا، قال الحافظ ابن حجر: وهي زيادة معتمدة يتعيّن حمل ما في الروايات عليها، (فرجعت إلى موسى قلت) وللأصيلي فقلت: (وضع شطرها: فقال) ولأبي ذر والوقت قال: (راجع ربك) وفي رواية راجع إلى ربك (فإن أمتك لا تطيق) ذلك (فراجعت) ربي ولابن عساكر فرجعت (فوضع) عني (شطرها) فيه شيء على تفسير الشطر بالنصف، لأنه يلزم منه أن يكون وضع اثنتي عشرة صلاة ونصف صلاة وهو باطل فتفسيره بجزء منها أولى وأحسن منه الحمل على ما زاده ثابت خمسًا خمسًا كما مرّ، (فرجعت إليه) أي إلى موسى (فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعته) تعالى (فقال) جلّ وعلا: (هي خمس) بحسب الفعل (وهي خمسون) بحسب الثواب قال تعالى: {مَن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}[الأنعام: ١٦٠] ولأبي ذر عن المستملي، ونسبها في الفتح لغير أبي ذر هنّ خمس وهنّ خمسون، واستدلّ به على عدم فرضية ما زاد على الخمس كالوتر وفيه جواز النسخ قبل الفعل خلافًا للمعتزلة.
قال ابن المنير: لكن الكل متّفقون على أن النسخ لا يتصوّر قبل البلاغ، وقد جاء به حديث الإسراء فأشكل على الطائفتين. وتعقب بأن الخلاف مأثور نص عليه ابن دقيق