للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مقصورًا اسم مفعول من العافية أي يعفى عن ذنبهم ولا يؤاخذون به (إلا المجاهرون) بكسر الهاء إلا المعلنون بالفسق لاستخفافهم بحق الله تعالى ورسوله وصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم. وقوله: المجاهرون بالرفع وصحح عليه بالفرع وهو رواية النسفيّ، وشرح عليها ابن بطال والسفاقسي، وأجازه الكوفيون في الاستثناء المنقطع. وقال ابن مالك الأعلى هذا بمعنى لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون فالمجاهرون مبتدأ والخبر محذوف. قال في المصابيح: هذا الباب الذي فتحه ابن مالك يؤدي إلى جواز الرفع في كل مستثنى من كلام تام موجب مثل قام القوم إلا زيد إذ يكون الواقع بعد إلا مرفوعًا بالابتداء والخبر محذوف وهو مقدر بنفي الحكم السابق وينقلب كل استثناء متصل منقطعًا بهذا الاعتبار ومثله غير مستقيم على ما لا يخفى انتهى.

وفي نسخة إلا المجاهرين بالنصب، وعزاها الحافظ ابن حجر لأكثر رواة البخاري ومستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم ومسلم وهو الصواب عند البصريين والمجاهر الذي يظهر معصيته ويكشف ما ستر الله عليه فيحدث به (وإن من المجانة) بفتح الميم والجيم وبعد الألف نون مخففة أي عدم المبالاة بالقول والفعل، ولأبي ذر عن الكشميهني: من المجاهرة بدل المجانة وقد ضبب على المجانة في الفرع. وقال القاضي عياض: إنها تصحيف وإن كان معناها لا يبعد هنا لأن الماجن هو الذي يستهتر في أموره وهو الذي لا يبالي بما قال وما قيل له، وتعقبه في فتح الباري فقال الذي يظهر رجحانه لأن الكلام المذكور بعده لا يرتاب أحد أنه من المجاهرة فليس في إعادة ذكره كبير فائدة، وأما الرواية بلفظ المجانة والمجانة مذمومة شرعًا وعرفًا فيكون الذي يظهر المعصية قد ارتكب محذورين إظهار المعصية وتلبسه بفعل المجان (أن يعمل الرجل بالليل عملاً) أي معصية (ثم يصبح) يدخل في الصباح (وقد) أي والحال أن قد (ستره الله) ولأبي ذر عن الكشميهني: وقد ستره الله عليه (فيقول) لغيره (يا فلان عملت) بضم التاء (البارحة) هي أقرب ليلة مضت من وقت القول وأصلها من برح إذا زال (كذا وكذا) من المعصية (وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه).

وفي حديث ابن عمر مرفوعًا عند الحاكم: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله".

٦٠٧٠ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِى النَّجْوَى؟ قَالَ: «يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: نَعَمْ. وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّى سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِى الدُّنْيَا فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ».

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن قتادة عن صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون المهملة بعدها راء مكسورة فزاي المازني البصري (أن رجلاً) أي يسم نعم في الطبراني أن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر حدثني فذكر الحديث، فيحتمل أن يكون هو الرجل المبهم (سأل ابن عمر) -رضي الله عنه- (كيف سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في النجوى) بالنون والجيم وهي المسارة التي تقع بين الله عز وجل وبين عبده المؤمن يوم القيامة وأصل ذلك أن يخلو في نجوة من الأرض أو من النجاة وهو أن تنجو بسرك من أن يطلع عليه أحد وأصله المصدر وقد يوصف به فيقال هو نجوى وهم نجوى (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

(يدنو) أي يقرب (أحدكم من ربه) قرب كرامة وعلو منزلة (حتى يضع كنفه) بفتح الكاف والنون والفاء أي ستره (عليه فيقول) عز وجل له (عملت كذا وكذا) وفي رواية همام السابقة في المظالم فيقول أتعرف ذنب كذا وكذا (فيقول: نعم، ويقول) عز وجل له (عملت كذا وكذا فيقول نعم فيقرره) بذنوبه وفي رواية سعيد بن جبير المذكور فيلتفت يمنة ويسرة فيقول لا بأس عليك إنك في ستري لا يطلع على ذنوبك غيري (ثم يقول: إني سترت عليك) سيئاتك (في الدنيا فأنا) بالفاء ولأبي ذر وأنا (أغفرها لك اليوم) زاد همام وسعيد وهشام فيعطى كتاب حسناته. والمراد هنا الذنوب التي بين الله وبين عبده دون مظالم العباد.

وسيكون لنا عودة إلى مبحث ذلك مستوفى إن شاء الله تعالى بعون الله في موضعه. واستشكل إيراد هذا الحديث هنا

<<  <  ج: ص:  >  >>