(ثم علموا) بفتح العين وكسر اللام المخففة بعد نزولها في أصل قلوبهم (من القرآن ثم علموا من السنة) أي أن الإمامة لهم بحسب الفطرة ثم بطريق الكسب من الشريعة، والظاهر أن المراد من الأمانة التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده والعهد الذي أخذه عليهم، وقال صاحب التحرير: المراد ها هنا الأمانة المذكورة في قوله تعالى ﴿إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها﴾ [الأحزاب: ٧٢] قال في فتوح الغيب: شبه حالة الإنسان وهي ما كلفه من الطاعة بحالة معروضة لو عرضت على السماوات والأرض والجبال لأبت حملها وأشفقت منها لعظمها وثقل محملها، وحملها الإنسان على ضعفه ورخاوة قوّته إنه ظلوم على نفسه جاهل بأحوالها حيث قبل ما لم تطق حمله هذه الأجرام العظام فقوله حملها على حقيقته، والمراد بالأمانة التكليف.
وروى محيي السُّنّة عرض الله الأمانة على أعيان السماوات والأرض والجبال فقال لهن أتحملن هذه الأمانة بما فيها قلن ما فيها؟ قال: إن أحسنتن جوزيتن وإن عصيتن عوقبتن قلن لا يا رب لا نريد ثوابًا ولا عقابًا خشية وتعظيمًا لدين الله، وكان هذا العرض تخييرًا لا إلزامًا أو شبهت هذه الأجرام حال انقيادها وأنها لم تمتنع عن مشيئة الله وإرادته إيجادًا وتكوينًا وتسوية بهيئات مختلفة بحال مأمور مطيع لا يتوقف عن الامتثال إذا توجه إليه أمر آمره المطاع كالأنبياء وأفراد المؤمنين، وعلى هذا فمعنى ﴿فأبين أن يحملنها﴾ أنها بعدما انقادت وأطاعت ثبتت عليها وأدت ما التزمت من
الأمانة وخرجت عن عهدتها سوى الإنسان فإنه ما وفى بذلك وخان إنه كان ظلومًا جهولاً. وقال الزجاج: أعلمنا الله تعالى أنه ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته وائتمن السماوات والأرض والجبال على طاعته والخضوع له فأما هذه الأجرام فأطعن الله ولم تحمل الأمانة أي أدتها وكل من خان الأمانة فقد احتملها.
(وحدّثنا)ﷺ(عن رفعها) أي الأمانة (قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة) بضم الفوقية وفتح الموحدة (من قلبه فيظل أثرها) بالرفع (مثل أثر الوكت) بفتح الواو وبعد الكاف الساكنة فوقية النقطة في الشيء من غير لونه أو هو السواد اليسير أو اللون المحدث المخالف للون الذي كان قبله (ثم ينام النومة فتقبض) الأمانة (فيبقى أثرها مثل المجل) بفتح الميم وسكون الجيم بعدها لام النفاخات التي تخرج في الأيدي عند كثرة العمل بنحو الفأس (كجمر دحرجته على رجلك فنفط) بكسر الفاء (فتراه منتبرًا) بضم الميم وسكون النون وفتح الفوقية وكسر الموحدة مفتعلاً أي مرتفعًا وقال أبو عبيد: منتبرًا منقطعًا (وليس فيه شيء). والمعنى أن الأمانة تزول عن القلوب شيئًا فشيئًا فإذا زال أوّل جزء منها زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله، فإذا زال شيء آخر صار كالمجل وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، وهذه الظلمة فوق التي قبلها وشبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه واعتقاب الظلمة إياه بجمر يدحرجه على رجله حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى النفط قاله صاحب التحرير، وذكر النفط اعتبارًا بالعضو وثم في قوله ثم ينام النومة للتراخي في الرتبة وهي نقيضة ثم في قوله ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة (فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أحدهم (يؤدي الأمانة فيقال إن في بني فلان رجلاً أمينًا ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) ذكر الإيمان لأن الأمانة لازمة الإيمان وليس المراد هنا أن الأمانة هي الإيمان قال: حذيفة (ولقد أتى عليّ زمان وما) ولأبي ذر ولا (أبالي أيكم بايعت) أي مبايعة البيع والشراء (لئن كان مسلمًا رده عليّ الإسلام) بتشديد ياء عليّ لغير أبي ذر ولأبي ذر عن المستملي بالإسلام (وإن كان نصرانيًّا ردّه عليّ ساعيه) وإليه الذي أقيم عليه بالأمانة فينصفني منه