فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سبقت العضباء) بضم السين والعضباء رفع (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن حقًّا على الله) بتشديد النون (أن لا يرفع شيئًا) ولأبي ذر أن لا يرفع مبنيًّا للمفعول شيء (من الدنيا إلَاّ وضعه) وفي بعض طرق الحديث عند النسائي حق على الله أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلاّ وضعه، وبه تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة إذ فيه الحض على التواضع وذم الترفع.
وحديث الباب سبق في باب ناقة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كتاب الجهاد.
وبه قال:(حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن عثمان بن كرامة) بفتح الكاف وتخفيف الراء العجلي بكسر العين المهملة وسكون الجيم الكوفي وثبت ابن كرامة لأبي ذر قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة القطواني الكوفي قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) أبو أيوب التميمي قال: (حدثني) بالإفراد (شريك بن عبد الله بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم القرشي (عن عطاء) هو ابن يسار (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن الله) عز وجل (قال: من عادى لي وليًّا) فعيلاً بمعنى مفعول وهو من يتولى الله سبحانه وتعالى أمره قال الله تعالى: {وهو يتولى الصالحين}[الأعراف: ١٩٦] ولا يأكله إلى نفسه لحظة بل يتولى الحق رعايته أو هو فعيل مبالغة من الفاعل وهو الذي يتولى عبادة الله وطاعته فعباداته تجري على التوالي من غير أن يتخللها عصيان، وكلا الوصفين واجب حتى يكون الولي وليًّا بحسب قيامه بحقوق الله على الاستقصاء والاستبقاء ودوام حفظ الله إياه في السراء والضراء، ومن شرط الولي أن يكون محفوظًا كما أن من شرط النبي أن يكون معصومًا فكل من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرور مخادع.
قال القشيري: والمراد بكون الولي محفوظًا أن يحفظه الله تعالى من تماديه في الزلل والخطأ إن وقع فيهما بأن يلهمه التوبة فيتوب منهما وإلاّ فهما لا يقدحان في ولايته وقوله لي هو في الأصل صفة لقوله وليًّا لكنه لما تقدم صار حالاً، وفي رواية أحمد: من آذى لي وليًّا (فقد آذنته) بمدّ الهمزة وفتح المعجمة وسكون النون أي أعلمته (بالحرب) أي أعمل به ما يعمله العدوّ المحارب من الإيذاء ونحوه، فالمراد لازمه وفيه تهديد شديد لأن من حاربه أهلكه. قال الفاكهاني: وهو من المجاز البليغ لأن من كره من أحب الله خالف الله، ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه، وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت ضده في جانب الموالاة فمن والى أولياء الله أكرمه الله، ولأبي ذر عن الكشميهني بحرب بإسقاط الألف واللام (وما تقرّب إليّ عبدي) ولأبي ذر عن الكشميهني عبد بحذف التحتية (بشيء أحب إليّ) بفتح أحب صفة لقوله بشيء فهو مفتوح في موضع جر وبالرفع بتقدير هو أحب إليّ (مما افترضت عليه) سواء كان عينًا أو كفاية وظاهر قوله افترضته الاختصاص بما ابتدأ الله فرضيته وهل يدخل ما أوجبه المكلف على نفسه (وما يزال) بلفظ المضارع، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وما زال (عبدي يتقرب إليّ بالنوافل) مع الفرائض كالصلاة والصيام (حتى أحبه فإذا أحببته كنت) ولأبي ذر حتى حببته فكنت (سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها) بضم الطاء في اليونينية وبكسرها في غيرها (ورِجله التي يمشي بها) وزاد عبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة عند أحمد والبيهقي في الزهد وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به.
وفي الحديث أنس: ومن أحببته كنت له سمعًا وبصرًا ويدًا ومؤيدًا وهو مجاز وكناية عن
نصرة العبد وتأييده وإعانته حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها، ولذا وقع في رواية: فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي، قاله العوفي، أو أن سمعه بمعنى مسموعه لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل: فلان أملي بمعنى مأمولي، والمعنى أنه لا يسمع إلا ذكري، ولا يلتذ إلا بتلاوة كتاب، ولا يأنس إلا بمناجاتي، ولا ينظر إلا في عجائب ملكوتي، ولا يمدّ يده إلا فيما فيه رضاي