ولقد وقفت على فروع مقابلة على هذا الأصل الأصيل فرأيت من أجلها الفرع الجليلي الذي
لعله فاق أصله، وهو الفرع المنسوب للإمام المحدث شمس الدين محمد بن أحمد المزي الغزولي وقف التنكزية بباب المحروق خارج القاهرة، المقابل على فرعي وقف مدرسة الحاج مالك، وأصل اليونيني المذكور غير مرة بحيث أنه لم يغادر منه شيئًا كما قيل. فلهذا اعتمدت في كتابة متن البخاري في شرحي هذا عليه، ورجعت في شكل جميع الحديث وضبطه إسنادًا ومتنًا إليه، ذاكرًا جميع ما فيه من الروايات وما في حواشيه من الفوائد المهمات.
ثم وقفت في يوم الاثنين ثالث عشر جمادى الأولى سنة ست عشرة وتسعمائة بعد ختمي لهذا الشرح على المجلد الأخير من أصل اليونيني المذكور، ورأيت بحاشية ظاهر الورقة الأولى منه ما نصه: سمعت ما تضمنه هذا المجلد من صحيح البخاري ﵁ بقراءة سيدنا الشيخ الإمام العالم الحافظ المتقن شرف الدين أبي الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني ﵁ وعن سلفه، وكان السماع بحضرة جماعة من الفضلاء ناظرين في نسخ معتمد عليها، فكلما مرّ بهم لفظ ذو إشكال بيّنت فيه الصواب وضبط على ما اقتضاه علمي بالعربية، وما افتقر إلى بسط عبارة وإقامة دلالة أخّرت أمره إلى جزء أستوفي فيه الكلام ما يحتاج إليه من نظير وشاهد ليكون الانتفاع به عامًا والبيان تامًّا إن شاء الله تعالى. وكتبه محمد بن عبد الله بن مالك حامدًا لله تعالى. قلت وقد قابلت متن شرحي هذا إسنادًا وحديثًا على هذا الجزء المذكور من أوّله إلى آخره حرفًا حرفًا، وحكيته كما رأيته حسب طاقتي. وانتهت مقابلتي له في العشر الأخير من المحرم سنة سبع عشرة وتسعمائة نفع الله تعالى به، ثم قابلته عليه مرة أخرى. فعلى الكاتب لهذا الشرح وفّقه الله تعالى أن يوافقني فيما رسمته من تمييز الحديث متنًا وسندًا من الشرح واختلاف الروايات بالألوان المختلفة وضبط الحديث متنًا وسندًا بالقلم كما يراه، ثم رأيت بآخر الجزء المذكور ما نصه: بلغت مقابلةً وتصحيحًا وإسماعًا بين يدي شيخنا شيخ الإسلام حجة العرب مالك أزمة الأدب الإمام العلامة أبي عبد الله بن مالك الطائي الجياني أمدّ الله تعالى عمره في المجلس الحادي والسبعين، وهو يراعي قراءتي ويلاحظ نطقي، فما اختاره ورجحه وأمر بإصلاحه أصلحته وصحّحت عليه، وما ذكر أنه يجوز فيه إعرابان أو ثلاثة فأعملت ذلك على ما أمر، ورجح، وأنا أقابل بأصل الحافظ أبي ذر والحافظ أبي محمد الأصيلي والحافظ أبي القاسم الدمشقي ما خلا الجزء الثالث عشر والثالث والثلاثين، فإنهما معدومان. وبأصل مسموع على الشيخ أبي الوقت بقراءة الحافظ أبي منصور السمعاني وغيره من الحفاّظ، وهو وقف بخانكاه السميساطي وعلامات ما وافقت أبا ذر (هـ) والأصيلي (ص) والدمشقي (ش) وأبا الوقت (ظ) فيعلم ذلك. وقد ذكرت ذلك في أوّل الكتاب في فرخة لتعلم الرموز كتبه عليّ بن محمد الهاشمي اليونيني عفًا الله عنه انتهى.
ثم وجد الجزء الأوّل من أصل اليونيني المذكور ينادى عليه للبيع بسوق الكتب، فعرف وأحضر إليّ بعد فقده أزيد من خمسين سنة، فقابلت عليه متن شرحي هذا فكملت مقابلتي عليه جميعه حسب الطاقة ولله الحمد.
وقد اعتنى الأئمة بشرح هذا الجامع، فشرحه الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي بشرح لطيف فيه نكت لطيفة ولطائف شريفة. واعتنى الإمام محمد التيمي بشرح ما لم يذكره الخطابي مع التنبيه على أوهامه. وكذا أبو جعفر أحمد بن سعيد الداودي وهو ممن ينقل عنه ابن التين الآتي. ومنهم المهلب بن أبي صفرة وهو ممن اختصر الصحيح. ومنهم أبو الزناد سراج. واختصر شرح المهلب تلميذه أبو عبد الله محمد بن خلف بن المرابط وزاد عليه فوائد، وهو ممن نقل عنه ابن رشيد. وشرحه أيضًا الإمام أبو الحسن علي بن خلف المالكي المغربي المشهور بابن بطال، وغالبه في فقه الإمام مالك من غير تعرّض لموضوع الكتاب غالبًا وقد طالعته. وشرحه أيضًا الإمام أبو حفص عمر بن الحسن بن عمر الفوزني الإشبيلي، وكذا أبو القاسم