المضاف ({فكفارته}) أي فكفارة الحنث الدال عليه سياق الكلام وإن لم يجر له ذكر، أو فكفارة نكثه فتكون ما موصولة اسمية وهو على حذف مضاف كما قدره الزمخشري والكفارة الفعلة التي من شأنها أن تستر الخطيئة ({إطعام عشرة مساكين}) إطعام مصدر مضاف لمفعوله، وهو أن يملك كل واحد منهم مدًّا من حب من غالب قوت بلده ({من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم}) عطف على إطعام، والمراد ما يسمى كسوة مما يعتاد لبسه كعرقية ومنديل ولو ملبوسًا لم تذهب قوّته ولو لم يصلح للمدفوع إليه كقميص صغير وعمامته وإزاره وسراويله الكبير وكحرير لرجل لا نحو خف مما لا يسمى كسوة كدرع من حديد ونحوه ({أو تحرير رقبة}) عطف على إطعام وهو مصدر مضاف لمفعوله أي أو إعتاق رقبة مؤمنة بلا عيب يخل بالعمل والكسب وأو للتخيير ({فمن لم يجد}) إحدى الثلاث أو كان غير رشيد ({فصيام ثلاثة أيام}) ولو مفرّقة ({ذلك}) المذكور ({كفارة أيمانكم إذا حلفتم}) وحنثتم ({واحفظوا أيمانكم}) فبرّوا فيها ولا تحنثوا إذا لم يكن الحنث خيرًا أو فلا تحلفوا أصلاً ({كذلك}) مثل ذلك البيان ({يبين الله لكم آياته}) أعلام شريعته وأحكامه ({لعلكم تشكرون})[المائدة: ٨٩] نعمته فيها يعلمكم ويسهل عليكم المخرج منه، وسقط لأبي ذر قوله {ولكن يؤاخذكم} الخ وقال: الآية إلى قوله {لعلكم تشكرون}.
وبه قال:(حدّثنا محمد بن مقاتل) بكسر الفوقية (أبو الحسن) المروزي المجاور قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- (لم يكن يحنث) أي لم يكن من شأنه أن يحنث (في يمين قط) سبق في تفسير المائدة حديث ابن حبان كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا حلف على يمين لم يحنث فرفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذكره الترمذي في العلل المفرد وقال: سألت محمدًا يعني البخاري عنه فقال: هذا خطأ، والصحيح كان أبو بكر وكذلك رواه سفيان ووكيع عن
هشام بن عروة (حتى أنزل الله) عز وجل في كتابه العزيز (كفارة اليمين) أي آيتها وهي قوله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين}[المائدة: ٨٩] إلى آخرها (وقال: لا أحلف على يمين) أي محلوف يمين فسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلاّ هو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه فيكون من مجاز الاستعارة، وفي مسلم لا أحلف على أمر (فرأيت غيرها خيرًا منها) الرؤية هنا علمية وغيرها مفعولها الأوّل وخيرًا الثاني، ومنها متعلق بخيرًا وأعاد الضمير مؤنفثًا مع كون المحلوف مذكرًا باعتبار المذكور لفظًا وهو اليمين، والمعنى لا أحلف على أمر فيظهر لي بالعلم أو بغلبة الظن أن غير المحلوف عليه خير منه (إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) عن حكمها وما يترتب عليها من الإثم. قيل هذا قاله الصديق -رضي الله عنه- لما حلف لا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال، وأنزل الله براءتها وطابت نفوس المؤمنين وتاب الله على من كان خاض في حديث الإفك وأنزل الله تعالى {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة}[النور: ٢٢] الآية أي لا يحلف أولو الفضل منكم أن لا يصلوا قراباتهم المساكين المهاجرين فرجع الصديق إلى مسطح ما كان يصله به من النفقة.
وبه قال:(حدّثنا أبو النعمان محمد بن الفضل) عارم السدوسي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) الأزدي قال: (حدّثنا الحسن) البصري قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن بن سمرة) بفتح السين المهملة والراء بينهما ميم مضمومة ابن حبيب، وقيل كان اسمه عبد كلال فغيره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال البخاري له: صحبة وكان إسلامه يوم الفتح وشهد غزوة تبوك وافتتح سجستان وغيرها في خلافة عثمان ثم نزل البصرة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث -رضي الله عنه- أنه (قال: قال) لي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا عبد الرَّحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة) بكسر الهمزة