كما أطرت النصارى عيسى في جعله إلهًا مع الله أو ابن الله (وقولوا عبد الله ورسوله) وفي رواية مالك: فإنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله، ووجه إيراد عمر ذلك هنا أنه خاف على من لا قوّة له في الفهم أن يظن بشخص استحقاقه الخلافة فيقوم في ذلك مع أن المذكور لا يستحق فيظن به ما ليس فيه فيدخل في النهي، أو أن الذي وقع منه في مدح أبي بكر ليس من الإِطراء المنهي عنه، ولذا قال: ليس فيكم مثل أبي بكر.
(ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول والله لو مات) ولأبي ذر: لو قد مات (عمر بايعت فلانًا فلا يغترن) بتشديد الراء والنون (امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة) أي فجأة من غير مشورة مع جميع من كان ينبغي أن يشاوروا، أو المراد أن أبا بكر ومن معه تفلتوا في ذهابهم إلى الأنصار فبايعوا أبا بكر بحضرتهم، وقال ابن حبان: إنما كانت فلتة لأن ابتداءها كان من غير ملأ كثير (وتمت ألا) بالتخفيف (وإنها كانت كذلك) أي فلتة (ولكن الله) بتشديد النون أو تخفيفها (وقى) بتخفيف القاف أي دفع (شرها وليس منكم) ولأبي ذر فيكم (من تقطع الأعناق) أي أعناق الإبل من كثرة السير (إليه مثل أبي بكر) في الفضل والتقدم لأنه سبق كل سابق فلا يطمع أحد أن يقع له مثل ما وقع لأبي بكر ﵁ من المبايعة له أوّلاً في الملأ اليسير ثم اجتماع الناس إليه وعدم اختلافهم عليه لما تحققوا من استحقاقه لما اجتمع فيه من الصفات المحمودة من قوّته في الله ولين جانبه للمسلمين وحسن خلقه وورعه التام فلم يحتاجوا في أمره إلى نظر ولا إلى مشاورة أخرى وليس غيره في ذلك مثله (من بايع رجلاً عن) ولأبي ذر عن الكشميهني كما في الفرع وأصله: من (غير مشورة من المسلمين) بفتح الميم وضم الشين المعجمة وسكون الواو وبسكون الشين وفتح الواو (فلا يبايع هو ولا الذي بايعه) بالموحدة وفتح الياء قبل العين فيهما كذا في الفرع وأصله، وفي فتح الباري فلا يبايع بالموحدة وجاء بالمثناة الفوقية وهو أولى لقوله هو ولا الذي تابعه اهـ. أي من الأتباع (تغرة أن يقتلا) أي المبايع والمبايع، وقوله: تغرة بمثناة فوقية مفتوحة وغين معجمة مكسورة وراء مشددة بعدها هاء تأنيث مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر. قال في المصابيح: والذي يظهر لي في إعرابه أن يكون تغرة حالاً على المبالغة أو على حذف مضاف أي: ذا تغرة أي مخافة أن يقتلا فحذف المضاف الذي هو مخافة وأقيم المضاف إليه مقامه وهو تغرة، والمعنى أن من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل (وأنه) بكسر الهمزة (قد كان من خبرنا) بموحدة مفتوحة (حين توفى الله نبيه ﷺ أن الأنصار خالفونا) بفتح الهمزة خبر كان وفي رواية أبي ذر عن المستملي من خيرنا بالتحتية الساكنة بدل الموحدة يعني أبا بكر ﵁ أن الأنصار بكسر الهمزة على أن ابتداء كلام آخر، وفي الفرع كأصله إلا أن الأنصار بكسر الهمزة وتشديد اللام، وقال العيني: إنها بالتخفيف لافتتاح الكلام ينبه بها المخاطب على ما يأتي وأنها على
رواية غير المستملي معترضة بين خبر كان واسمها، وسقطت لفظة ألا لأبي ذر كما في الفرع وأصله.
(واجتمعوا بأسرهم) بأجمعهم (في سقيفة بني ساعدة) بفتح السين وكسر العين وفتح الدال المهملات أي صفتهم وكانوا يجتمعون عندها لفصل القضايا وتدبير الأمور (وخالف عنا عليّ والزبير ومن معهما) فلم يجتمعوا معنا عندها حينئذٍ (واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار) وفي رواية جويرية عن مالك: فبينا نحن في منزل رسول الله ﷺ إذا برجل ينادي من وراء الجدار: أخرج إليّ يا ابن الخطاب. فقلت: إليك إني مشغول. قال: أخرج إليّ إنه قد حدث أمر إن الأنصار اجتمعوا فأدركهم قبل أن يحدثوا أمرًا يكون بينكم فيه حرب، فقلت لأبي بكر: انطلق (فانطلقنا نريدهم) زاد جويرية فلقينا أبا عبيدة بن الجراح فأخذ أبو بكر بيده يمشي بيني وبينه (فلما دنونا) قربنا (منهم لقينا) بكسر القاف وفتح الياء منهم