للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجواز لكن مع الكراهة لكونه صلّى على نجاسة، ولو كان بينهما حائل، وهذا مذهب الشافعية أولاً كراهة لكونه صلّى مع الفرش على النجاسة مطلقًا كما قاله القاضي حسين، وقال ابن الرفعة: الذي دلّ عليه كلام القاضي أن الكراهة لحرمة الميت أما لو وقف بين القبور بحيث لا يكون تحته ميت ولا نجاسة فلا كراهة إلاّ في المنبوشة فلا تصح الصلاة فيها. قال في التوشيح: ويستثنى مقبرة الأنبياء فلا كراهة فيها لأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، وأنهم أحياء في قبورهم يصلّون، ولا يشكل بحديث: (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) لأن اتخاذها مساجد أخص من مجرد الصلاة فيها، والنهي عن الأخص لا يستلزم النهي عن الأعم، قال في التحقيق: ويحرم أن يصلّي متوجهًا إلى قبره ، ويكره إلى غيره مستقبل آدميّ لأنه يشغل القلب غالبًا، ويقاس بما ذكر فى قبره سائر قبور الأنبياء ، ولم يرَ مالك بالصلاة في المقبرة بأسًا، وذهب أبو حنيفة إلى الكراهة مطلقًا، وقال في تنقيح المقنع: ولا تصحّ الصلاة تعبدًا في مقبرة غير صلاة الجنازة ولا يضرّ قبران ولا ما دفن بداره.

٤٢٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ فَذَكَرَتَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ. فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

[الحديث ٤٢٧ - أطرافه في: ٤٣٤، ١٣٤١، ٣٨٧٣].

وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بالمثلثة ثم فتح النون المشددة (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) هو ابن عروة (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة (عن عائشة) ولابن عساكر عن عائشة أُم المؤمنين.

(أن أُم حبيرة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب (وأم سلمة) هند بنت أبي أمية (ذكرتا) بلفظ التثنية للمؤنث، وللمستملي والحموي ذكرا بالتذكير ولعله سبق قلم من الناسخ كما لا يخفى (كنيسة) بفتح الكاف أي معبد للنصارى (رأينها بالحبشة) بنون الجمع على أن أقل الجمع اثنان أو على أنه كان معهما غيرهما من النسوة، ولأبي ذر والأصيلي رأتاها بالمثناة الفوقية بضمير التثنية على الأصل، وفي رواية رأياها بالمثناة التحتية (فيها تصاوير) أي تماثيل، والجملة في موضع نصب صفة لكنيسة، (فذكرتا ذلك للنبي . فقال: إن أولئك) بكسر الكاف لأن الخطاب لمؤنث وقد تفتح (إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات) عطف على قوله كان وجواب إذا قوله (بنوا على قبره مسجدًا وصوّروا فيه تيك الصور) بكسر المثناة الفوقية وسكون التحتية، كذا في رواية الحموي والكشميهني كما في الفرع، وعزاها في الفتح للمستملي، وفي رواية أبي ذر وابن عساكر كما في الفرع تلك باللام بدل المثناة التحتية. (فأولئك) بكسر الكاف وقد تفتح (شرار الخلق عند الله يوم القيامة) بكسر الشين المعجمة جمع شر كبحر وبحار، وأما أشرار فقال السفاقسي: جمع شر كزند وأزناد، وإنما فعل سلفهم ذلك ليتأنسوا برؤية تلك الصور يتذكروا أحوالهم الصالحة ليجتهدوا كاجتهادهم، ثم خلف من بعدهم خلف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها، فحذر عن مثل ذلك سدًّا للذريعة المؤدية إلى ذلك. أما مَن اتخذ مسجدًا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا للتعظيم له ولا للتوجه إليه فلا يدخل في الوعيد المذكور.

ورجال هذا الحديث بصريون، وفيه التحديث بالجمع والإخبار بالإفراد والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في هجرة الحبشة، ومسلم في الصلاة وكذا النسائي.

٤٢٨ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَىٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا. قَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ. فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ: قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ،

ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ. فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ … فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التميمي (عن أدب التياح) بفتح المثناة الفوقية وتشديد التحتية آخره مهملة يزيد بن حميد الضبعي (عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك (قال):

(قدم النبي المدينة فنزل أعلى) وللأصيلي في أعلى (المدينة في حي) بتشديد الياء قبيلة (يقال لهم بنو عمرو بن عوف) بفتح العين فيهما (فأقام النبي فيهم أربعة عشرة ليلة) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر في نسخة أربعًا وعشرين، وصوب الحافظ ابن حجر الأولى. قال: وكذا رواه أبو داود عن مسدد شيخ المؤلّف فيه، (ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>