الكفر أن قالوا نقيم بمكة نتربص بمحمد ريب المنون (﴿لن تقبل توبتهم﴾) إيمانهم لأنهم لا يتوبون أو لا يتوبون إلا إذا أشرفوا على الهلاك فكنى عن عدم توبتهم بعدم قبولها (﴿وأولئك هم الضالون﴾) الثابتون على الضلال وسقط لأبي ذر من قوله: (﴿وجاءهم بالبينات﴾) إلى آخر قوله: (﴿الضالون﴾) وقال بعد قوله: (﴿حق﴾) إلى قوله: (﴿غفور رحيم﴾).
(وقال) جل وعلا: (﴿يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب﴾) التوراة (﴿يردوكم بعد إيمانكم﴾) بمحمد ﷺ(﴿كافرين﴾)[آل عمران: ١٠٠] وفيها إشارة إلى التحذير عن مصادقة أهل الكتاب إذ لا يؤمنون أن يفتنوا مَن صادقهم عن دينه.
(وقال) تعالى: (﴿إن الذين آمنوا﴾) بموسى (﴿ثم كفروا﴾) حين عبدوا العجل (﴿ثم آمنوا﴾) بموسى بعد عوده (﴿ثم كفروا﴾) بعيسى (﴿ثم ازدادوا كفرًا﴾) بكفرهم بمحمد ﷺ(﴿لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً﴾)[النساء: ١٣٧] إلى النجاة أو إلى الجنة أو هم المنافقون آمنوا في الظاهر وكفروا في السر مرة بعد أخرى وازدياد الكفر منهم ثباتهم عليه إلى الموت وسقط من قوله: (﴿ثم آمنوا﴾) إلى آخر الآية. وقال بعد (﴿ثم كفروا﴾) إلى (﴿سبيلاً﴾).
(وقال) تعالى (﴿من يرتدّ﴾) بتشديد الدال بالإدغام تخفيفًا ولأبي ذر من يرتدد بالإظهار على الأصل وامتنع الإدغام للجزم وهي قراءة نافع وابن عامر (﴿منكم عن دينه﴾) من يرجع منكم عن دين الإسلام إلى ما كان عليه من الكفر (﴿فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه﴾) قيل هم أهل
اليمن وقيل هم الفرس. وقيل الذين جاهدوا يوم القادسية والراجع من الجزاء إلى الاسم المتضمن لمعنى الشرط محذوف أي فسوف يأتي الله بقوم مكانهم ومحبة الله تعالى للعباد إرادة الهدى والتوفيق لهم في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة ومحبة العباد له إرادة طاعته والتحرز من معاصيه (﴿أذلة على المؤمنين﴾) عاطفين عليهم متذللين لهم جمع ذليل واستعماله مع على إما لتضمين معنى العطف والحنوّ أو التنبيه على أنهم مع علوّ طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم (﴿أعزة على الكافرين﴾)[المائدة: ٥٤] أشداء عليهم فهم على المؤمنين كالولد لوالده والعبد لسيده ومع الكافرين كالسبع على فريسته وسقط لأبي ذر من قوله أذلة إلى آخر الآية.
(﴿ولكن﴾) ولأبي ذر وقال أي الله جل وعلا ولكن (﴿من شرح بالكفر صدرًا﴾) طاب به نفسًا وأعتقده (﴿فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم﴾) إذ لا أعظم من جرمه (﴿ذلك﴾) أي الوعيد وهو لحوق الغضب والعذاب العظيم (﴿بأنهم استحبوا﴾) آثروا (﴿الحياة الدنيا على الآخرة﴾) أي بسبب إيثارهم الدنيا على الآخرة (﴿وأن الله لا يهدي القوم الكافرين﴾) ما داموا مختارين للكفر (﴿أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم﴾) فلا يتدبرون ولا يصغون إلى المواعظ ولا يبصرون طريق الرشاد (﴿وأولئك هم الغافلون﴾) الكاملون في الغفلة لأن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها (﴿لا جرم﴾) يقول حقًّا أنهم في الآخرة (﴿هم الخاسرون﴾) إذ ضيعوا أعمارهم وصرفوها فيما أفضى بهم إلى العذاب المخلد (إلى قوله: ﴿إن ربك من بعدها﴾) من بعد الأفعال المذكورة قبل وهي الهجرة والجهاد والصبر (﴿لغفور﴾) لهم ما كان منهم من التكلم بكلمة الكفر تقية (﴿رحيم﴾)[النحل: ١٠٦ - ١١٠] لا يعذبهم على ما قالوا في حالة الإكراه وسقط لأبي ذر (﴿فعليهم غضب﴾) إلى آخر لغفور رحيم.
(﴿ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم﴾) إلى الكفر وحتى معناها التعليل نحو فلان يعبد الله حتى يدخل الجنة أي يقاتلونكم كي يردّوكم وقوله: (﴿وإن استطاعوا﴾) استبعاد لاستطاعتهم (﴿ومن يرتدد منكم عن دينه﴾) ومن يرجع عن دينه إلى دينهم (﴿فيمت وهو كافر﴾) أي فيمت على الردة (﴿فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة﴾) لما يفوتهم بالردّة مما للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام وفي الآخرة من الثواب وحسن المآب (﴿وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾)[البقرة: ٢١٧] كسائر الكفرة واحتج إمامنا الشافعي بالتقييد في الردة بالموت عليها أن الردة لا تحبط العمل إلا بالموت عليها وقال الحنفية قد علق الحبط بنفس الردة بقوله