من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ فتتصور بما فيها ما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك، ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك فتصير مشاهدة، ثم وإن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بأدنى شيء استغنت الرؤيا عن التعبير وإلا احتاجت إليه. انتهى.
وقال من ينتمي إلى الطب أن جميع الرؤيا تنسب إلى الاخلاط فيقول من غلبت عليه البلغم رأى أنه يسبح في الماء ونحو ذلك لمناسبة الماء طبيعة البلغم ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجوّ وهكذا إلى آخره.
وبه قال:(حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله المخزومي المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتع القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم. قال المؤلّف:(وحدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (معمر) هو ابن راشد ولفظ الحديث له لا لعقيل (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (فأخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام والفاء في فأخبرني للعطف على مقدر أي أنه روى له حديثًا وهو عند البيهقي في دلائله من وجه آخر عن الزهري عن محمد بن النعمان بن بشير مرسلاً فذكر قصة بدء الوحي مختصرة ونزول: ﴿اقرأ باسم ربك﴾ إلى قوله: ﴿خلق الإنسان من علق﴾ [العلق: ١، ٢] قال محمد بن النعمان: فرجع رسول الله ﷺ بذلك. قال الزهري: فسمعت عروة بن الزبير يقول قالت عائشة فذكر الحديث مطوّلاً ثم عقبه بهذا الحديث (عن عائشة ﵂ أنه قالت: أوّل ما بدئ) بضم الموحدة وكسر المهملة بعدها همزة (به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة) التي ليس فيها ضغث، أو التي لا تحتاج إلى تعبير. وفي التعبير للقادري الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام أو يخبر به من لا يكذب، وفي باب كيف بدء الوحي الصالحة بدل الصادقة وهما بمعنى واحد بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء، وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص فرؤيا الأنبياء كلها صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر وغير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في الرؤيا يوم أحد، وقال (في النوم) بعد الرؤيا المخصوصة به لزيادة الإيضاح أو لدفع وهم من يتوهم أن الرؤيا تطلق على رؤية العين فهي صفة موضحة (فكان)ﷺ(لا يرى رؤيا إلا جاءت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا جاءته (مثل فلق الصبح) قال القاضي البيضاوي: شبه ما جاءه
في اليقظة ووجده في الخارج طبقًا لما رآه في المنام بالصبح في إنارته ووضوحه والفلق الصبح لكنه لما كان مستعملاً في هذا المعنى وفي غيره أضيف إليه للتخصيص والبيان إضافة العام إلى الخاص، وقال في شرح المشكاة: للفلق شأن عظيم ولذا جاء وصفًا لله تعالى في قوله: ﴿فالق الإصباح﴾ [الأنعام: ٩٦] وأمر بالاستعاذة برب الفلق لأنه ينبئ عن انشقاق ظلمة عالم الشهادة وطلوع تباشير الصبح بظهور سلطان الشمس وإشراقها الآفاق، كما أن الرؤيا الصالحة مبشرة تنبئ عن وفور أنوار عالم الغيب وإنارة مطالع الهدايات بسبب الرؤيا التي هي جزء يسير من أجزاء النبوة (فكان)ﷺ(يأتي حراء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء ممدودة مذكر منصرف على الصحيح وقيل مؤنث غير منصرف (فيتحنث) بالحاء المهملة آخره مثلثة في غار (فيه وهو) أي التحنث (التعبد) بالخلوة ومشاهدة الكعبة منه والتفكر أو بما كان يلقى إليه من المعرفة (الليالي ذوات العدد) مع أيامهن والوصف بذوات العدد يفيد التقليل كدراهم معدودة، وقال الكرماني: يحتمل الكثرة إذ الكثير يحتاج إلى العدد وهو المناسب للمقام وإنما كان يخلو ﵊ بحراء دون غيره لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش، وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنّه فتبعه على ذلك فكان يخلو ﷺ بمكان جدّه وكان الزمن