للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(أن يعمروا مساجد الله) أي شيئًا من المساجد فضلاً عن المسجد الحرام، وقيل هو المراد وإنما جمع لأنه قبلة المساجد وأمها وإمامها فعامره كعامر الجميع، ويدل عليه قراءة ابن كثير وأبما عمرو ويعقوب بالتوحيد (شاهدين على أنفسهم بالكفر) بإظهار الشرك، وتكذيب الرسول أي ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة بيت الله وعبادة غيره، روي أنه لما أسر العباس يوم بدر عيَّره المسلمون بالشرك وقطيعة الرحم وأغلظ له عليّ في القول فقال: تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا إنّا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحجيج ونفك العاني فنزلت: ﴿أولئك حبطت أعمالهم﴾ التي يفتخرون بها لأن الكفر يذهب ثوابها ﴿وفي النار هم خالدون﴾ لأجله ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة﴾ أي إنما تستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية، ومن عمارتها تزيينها بالفرش وتنويرها بالسرج وإدامة العبادة والذكر ودرس العلم فيها وصيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا. وفي حديث أنس بن مالك في مسند عبد بن حميد مرفوعًا إن عمار المساجد أهل الله.

وروي إن الله تعالى يقول: إن بيوتي في أرض المساجد وإن زوّاري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره. ﴿ولم يخش إلاّ الله﴾ في أبواب الدين ﴿فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين﴾ [التوبة: ١٧، ١٨] قيل: الإتيان بلفظ عسى إشارة إلى ردع الكفار وتوبيخهم بالقطع في زعمهم أنهم مهتدون، فإن هؤلاء مع هذه الكمالات اهتداؤهم دائر بين عسى ولعل، فما ظنك بمن هو أضل من البهائم وإشارة أيضًا إلى منع المؤمنين من الاغترار والاتكال على الأعمال انتهى.

وقد ذكر هاتين الآيتين هنا في الفرع لكنه رقم على قوله (شاهدين) علامة السقوط إلى آخرها، ولفظ رواية أبي ذر ﴿أن يعمروا مساجد الله﴾ الآية. ولفظ الأصيلي (مساجد الله) إلى قوله (من المهتدين).

٤٤٧ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلاِبْنِهِ عَلِيٍّ: انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ. فَانْطَلَقْنَا، فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا، حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: "كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ. فَرَآهُ النَّبِيُّ فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ. قَالَ يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ".

[الحديث ٤٤٧ - طرفه في: ٢٨١٢].

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد الأسدي البصري (قال: حدّثنا عبد العزيز بن مختار) الدباغ الأنصاري البصري (قال: حدّثنا خالد الحذاء) بفتح الحاء المهملة وتشديد الذال المعجمة (عن عكرمة) مولى ابن عباس.

(قال لي ابن عباس) عبد الله (ولابنه) أي لابن عبد الله بن عباس (علي) أبي الحسن العابد الزاهد المتوفى بعد العشرين والمائة، وكان مولده يوم قتل عليّ بن أبي طالب فسمي باسمه، وكان فيما قيل أجمل قرشيّ في الدنيا (انطلقا إلى أبي سعيد) الخدري (فاسمعا) ولأبي ذر واسمعا (من حديثه فانطلقنا فإذا هو) أي أبو سعيد (في حائط) أي بستان (يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى) بالحاء المهملة والموحدة أي جمع ظهره وساقيه بنحو عمامته أو بيديه (ثم أنشأ) أي شرع (يحدّثنا حتى أتى ذكر) وللأربعة وكريمة حتى إذا أتى على ذكر وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني حتى أتى على ذكر (بناء المسجد) النبوي (فقال) أبو سعيد: (كنّا نحمل لبنة لبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة الطوب النيء، (وعمار) هو ابن ياسر يحمل (لبنتين لبنتين) ذكرهما مرتين كلبنة، وزاد معمر في جامعه لبنة) عنه ولبنة عن رسول الله (فرآه النبي ) الضمير المنصوب لعمار (فينفض) بصيغة المضارع في موضع الماضي لاستحضار ذلك في نفس السامع كأنه يشاهده، ولأبي الوقت وابن عساكر فنفض بصيغة الماضي وللأصيلي وعزاها في الفتح للكشميهني فجعل ينفض (التراب عنه ويقول) في تلك الحالة (ويح عمار) بفتح الحاء والإضافة كلمة رحمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها كما أن ويل كلمة عذاب لمن يستحقها (يدعوهم) أي يدعو عمار الفئة الباغية وهم أصحاب معاوية الذين قتلوه في وقعة صفين (إلى) سبب (الجنة) وهو طاعة عليّ بن أبي طالب الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك، (ويدعونه إلى) سبب (النار) لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم

<<  <  ج: ص:  >  >>